للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - المناظرات]

قلما عنى مؤرخو الأدب العباسى بالحديث عن المناظرات التى احتدمت بين المتكلمين والفقهاء وأصحاب الملل والنحل لهذا العصر مع أنها كانت من أهم الفنون النثرية وكانت تشغل الناس على اختلاف طبقاتهم، لسبب بسيط وهو أنها كثيرا ما كانت تنعقد فى المساجد، وقد مرّ بنا أن مجالس البرامكة والمأمون كانت تكتظ بهذه المناظرات، وأنه كان وراء مجالسهما مجالس صغرى كثيرة، يجتمع فيها المتناظرون من الشيعة والزنادقة والمتكلمين، ويتحاورون فى المسائل العقيدية وغير العقيدية، وقد يخوضون فى بعض المسائل الفلسفية، على نحو ما كانت تخوض مجالس البرامكة، وبالمثل كان يتناظر الفقهاء، ومناظرة الشافعى ومحمد بن الحسن الشيبانى مشهورة.

والمعتزلة أهمّ طوائف المتناظرين حينئذ، فقد وقفوا أنفسهم على جدال طوائف المتكلمين من مخالفيهم فى أصولهم الخمسة التى تحدثنا عنها فى غير هذا الموضع وجدال من كانوا يعتنقون التشيع الغالى مثل شيطان الطاق وهشام بن الحكم وجادلوا جدالا عنيفا أرباب الملل السماوية والنحل غير السماوية من الدهرية والمانوية، ومن أشهرهم فى الجدال والمناظرة أبو الهذيل العلاف المتوفى فى حوالى سنة ٢٣٠ للهجرة، وفيه يقول ابن خلكان: «كان حسن الجدال قوى الحجة كثير الاستعمال للأدلة والإلزامات». وروى الخطيب (١) البغدادى والمرتضى (٢) فى أماليه وبعض المراجع القديمة طائفة من مناظراته. من ذلك مناظرته فى حداثته ليهودى ورد البصرة، وتعرّض لمتكلميها يقول لهم ألا تقرّون بنبوة موسى عليه السلام؟ حتى إذا اعترفوا بها قال: نحن على ما اتفقنا عليه إلى أن نجتمع على ما تدّعونه.

فتقدم إليه، وقال له: أسألك أم تسألنى؟ فقال له اليهودى: بل أسألك فقال: ذاك إليك، فقال اليهودى: أتعترف بأن موسى نبىّ صادق أم تنكر ذلك فتخالف صاحبك، فقال له أبو الهذيل: إن كان موسى الذى تسألنى عنه هو الذى بشّر بنبيىّ


(١) تاريخ بغداد ٣/ ٣٦٦ وما بعدها.
(٢) أمالى المرتضى ١/ ١٧٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>