عليه السلام وشهد بنبوته وصدّقه فهو نبى صادق، وإن كان غير من وصفت فذلك شيطان لا أعترف بنبوته. فورد على اليهودى ما لم يكن فى حسبانه. ولم يلبث أن سأل أبا الهذيل: أتقول إن التوراة حق؟ فقال: هذه المسألة تجرى مجرى الأول، إن كانت هذه التوراة التى تسألنى عنها هى التى تتضمن البشارة بنبى عليه السلام فتلك حق، وإن لم تكن كذلك فليست بحق ولا أقرّ بها.
فبهت اليهودى وأفحم ولم يدر ما يقول. وناظر يوما مجوسيّا فسأله ما تقول فى النار؟ قال: بنت الله، قال فالبقر؟ قال: ملائكة الله قصّ أجنحتها وحطّها إلى الأرض يحرث عليها، قال: فالماء؟ قال: نور الله، قال أبو الهذيل فما الجوع والعطش؟ قال: فقر الشيطان وفاقته، قال أبو الهذيل: فمن يحمل الأرض؟ قال: بهمن الملك. حينئذ قال أبو الهذيل: فما فى الدنيا شر من المجوس أخذوا ملائكة الله فذبحوها، ثم غسلوها بنور الله ثم شووها ببنت الله، ثم دفعوها إلى فقر الشيطان وفاقته، ثم سلخوها على رأس بهمن الملك أعز ملائكة الله. فانقطع المجوسى وخجل مما لزمه. وقال له المعذّل بن غيلان يوما إن فى نفسى شيئا من القول بالاستطاعة وأن الإنسان حرّ حرية مطلقة فى أعماله فبيّن لى ما يذهب الريب عنى، فقال له: خبّرنى عن قول الله تعالى: ({وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اِسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)} هل يخلو من أن يكون أكذبهم لأنهم مستطيعون الخروج وهم تاركون له، فلاستطاعة الخروج فيهم وليسوا يخرجون قال {(إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)} أى هم يستطيعون الخروج وهم يكذبون فيقولون: لسنا نستطيع، ولو استطعنا لخرجنا، فأكذبهم الله على هذا الوجه. أو يكون على وجه آخر يقول: {(إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)} أى إن أعطيتهم الاستطاعة لم يخرجوا، فتكون معهم الاستطاعة على الخروج ولا يخرجون.
وعلى كل حال قد كانت الاستطاعة على الخروج ثابتة لهم. ولا يعقل للآية معنى ثالث غير الوجهين اللذين وصفنا. وبذلك أقام الحجة القاطعة على الاستطاعة من لفظ القرآن الكريم، حتى ينقض ما يستشهد به أصحاب الجبر وتعطيل إرادة الإنسان وحريته من بعض آيه التى لا تعطيهم الدلالة البينة الملزمة. وكان يتعمق ببعض مناظراته فى مسائل فلسفية كقوله إن حركات أهل