للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجنة والنار لا تبقى بل تنقلب إلى سكون دائم. تجتمع فيه اللذات لأهل الجنة ويجتمع العذاب لأهل النار، إلى غير ذلك من الآراء، المبسوطة فى الملل والنحل للشهرستانى وفى مقالات الإسلاميين للأشعرى.

وكان ابن أخته النظام لا يقل عنه قوة فى الجدل والإقناع وإفحام الخصوم، ومرّ بنا فى غير هذا الموضع كيف أفحم أبا شمر الجبرى المرجئ وقطعه بالبراهين الساطعة، حتى زحف إليه وأمسك بيديه ليسكت. ويقول ابن النديم إنه ما زال يناظر الحسين النجار فى الجبر وحرية الإرادة، حتى انصرف محموما مغموما وكان ذلك سبب علته التى مات فيها (١). وهو يعدّ أكبر من جادلوا الدهرية والمانوية وغيرهما من أصحاب النحل غير الإسلامية لعصره، حتى ليقول الجاحظ على نحو ما مر بنا فى ترجمتنا له بين الشعراء: «لولا مكان المتكلمين لهلكت العوامّ من جميع الأمم، ولولا مكان المعتزلة لهلكت العوام من جميع النحل، فإن لم أقل ولولا أصحاب إبراهيم (النظام) وإبراهيم لهلكت العوام من المعتزلة، فإنى أقول إنه قد أنهج لهم سبلا وفتق لهم أمورا واختصر لهم أبوابا ظهرت فيها المنفعة وشملتهم بها النعمة (٢)».

وحكى الجاحظ كثيرا من جداله وروده على الدهرية والمنّانية والدّيصانية، وفى الجزء الخامس من كتاب الحيوان مادة من ذلك كثيرة، نراه فيها يرد على من يقولون بأن أصل العالم ضياء وظلام وأن الحرارة والبرودة واللون والطعم والصوت والرائحة إنما هى نتائج على قدر امتزاجها، ويلاحظ أنهم يقفون عند حاسّة اللمس فقط دون غيرها من الحواس. ويبحث مباحث واسعة فى النار وأنها حر وضياء وأن الضياء ليس بلون لأنه إذا سقط على الألوان المختلفة كان عمله فيها واحدا. ويفيض فى ردود كثيرة على المجوس، واحتفظ أبو الحسين الخياط هو الآخر بكثير من هذه الردود، من ذلك قول المنانية بالنور والظلمة وأن النور هو مصدر كل خير والظلمة مصدر كل شر، فالصدق خير لأنه من النور والكذب شر لأنه من الظلمة، مما جعله يقول لهم:

«حدثونا عن إنسان قال قولا كذب فيه من الكاذب؟ قالوا الظلمة، قال: فإن ندم بعد ذلك على ما فعل من الكذب، وقال: قد كذبت وقد أسأت، من القائل: قد كذبت؟ فاختلطوا عند ذلك ولم يدروا ما يقولون، فقال لهم إبراهيم: إن زعمتم أن النور هو


(١) الفهرست لابن النديم ص ٢٥٤.
(٢) الحيوان ٤/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>