للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخلافة لا تقصر على قبيلة قريش وحدها، بل هى حق للمسلمين جميعا، يتولاها أكفؤهم سواء أكان عربيا أم غير عربى، وسواء أكان قرشيا أم بربريا أم عبدا حبشيا.

[(ا) الإباضية]

اعتنق عقيدة الإباضية فى طرابلس وجبل نفوسة كثيرون، ومرّ بنا إشعالهم لثورات فى طرابلس منذ سنة ١٢٦ للهجرة إلى أن أخمدتها سنة ١٤٤ الجيوش العباسية نهائيا إلا ما كان من حركات صغرى فى طرابلس وجبل نفوسة قضى عليها يزيد بن حاتم المهلبى حين ولاه المنصور سنة ١٥٤ للهجرة كثورة أبى حاتم الإباضى وثورة أبى يحيى الهوارى، وكان الحكام- وخاصة حكام الأغالبة-يستطيعون دائما قمعها، ولكن دون أن يستطيعوا القضاء على الدعوة قضاء مبرما، فقد ظلت حية هناك حياة مستمرة إلى اليوم.

وكان ينبغى أن يشيد الباحثون الغربيون بالإسلام وأنه استطاع فى نحو ثمانين عاما أن ينتشر فى ديار المغرب: فى مدنه وجباله وصحاريه وبواديه وأن يمتلك من المغاربة أو قل من البربر قلوبهم وأفئدتهم بحيث أصبحوا يخلصون له ويحملون السلاح مع أهله للدفاع عنه ونشره فى أقاصى بلادهم المغربية وفى الأندلس، كما مر بنا، واتخذوا لغته لغة قومية لهم ورسخت-أو أخذت ترسخ-بينهم فى الجبال القاصية، بينما ظل الرومان قرونا متعاقبة يحكمون بلاد المغرب ويحاولون-بكل ما وسعهم-نشر لغتهم اللاتينية فيه ونشر عقيدتهم المسيحية، وخاصة منذ عهد قسطنطين وإعلانه أنها دين الدولة الرسمى، وظل البابا وقسسه ورهبانه يجاهدون فى نشرها بين البربر دون جدوى إلا ما كان من نفر ضئيل فى المدن الساحلية الشمالية، وبدلا من أن يسجلوا ذلك ويعترفوا للإسلام بمبادئه الروحية البسيطة التى لقيت استجابة لا تماثلها استجابة لا فى البقاع المغربية وحدها بل فى كل البقاع التى فتحها العرب الأولون: بقاع العراق وإيران والشام ومصر، إذ سرعان ما دخل أهلها جميعا فى الدين الحنيف بمجرد أن وقفوا على مبادئه وتعاليمه الدينية الروحية، أقول بدلا من أن يسجل الباحثون الغربيون هذه الظاهرة الكبرى للإسلام بالقياس إلى المسيحية وما تحمل من عقيدة التثليث المعقدة نرى نفرا منهم يطيب لهم أن يزعموا زعما باطلا أن حركات الإباضية بليبيا فى القرن الثانى الهجرى وبالمثل حركات الصفرية فى المغرب الأقصى والأوسط كانت حركات استقلالية قومية (١)، وهو زعم مخطئ أشد الخطأ، إذ لم يحاول أحد من البربر فى تلك الحركات الردة-أو الدعوة إلى المسيحية، كما لم يحاول أحد الردة، أو الدعوة إلى العودة إلى اللاتينية التى كانت منتشرة فى المدن الساحلية


(١) انظر du Nord .PP .٠٦١ Sq . E .F .Gautier .LePasse de l Afrique:

<<  <  ج: ص:  >  >>