عليه وصف جارية ويصفها، ويعجب زبدة الحقب بوصفه، ويسأله ابن شهيد أن يسمعه وصفه للماء، ويقول له إنه وصف معجز، ويعارضه ابن شهيد بوصف رائع للماء يبهره.
وفى ذلك كله ما يقطع بأن المقامة الإبليسية لبديع الزمان هى التى ألهمت ابن شهيد رسالة التوابع والزوابع وأوحت بها إليه. ويتردد فى كتابى الجذوة للحميدى والمغرب لابن سعيد اسم كتاب لابن شهيد سماه حانوت عطار ويبدو من نقولهما عنه أنه ترجم فيه لأدباء الأندلس فى عصره وقبل عصره ترجمات قصيرة ذكر فيها بعض أخبارهم وما استطرفه من أشعارهم مع بعض نظرات نقدية.
رسائل ابن برد (١) الأصغر
ابن برد الأصغر هو أبو حفص أحمد حفيد أبى حفص أحمد بن برد الأكبر الذى ولى ديوان الإنشاء للمنصور بن أبى عامر، وكتب بعده لابنيه المظفر والناصر. ثم كتب لسليمان المستعين الأموى وللأمراء الحموديين، ويترجم له ابن بسام فى الذخيرة، ويشيد ببيانه وبلاغته قائلا إنه «أسمع الصّمّ بيانا، واستنزل العصم إبداعا واستحسانا» ويتلو ذلك بطائفة بديعة من رسائله. وحين رزق ابنه محمد بولده أحمد توسم فيه النجابة منذ نعومة أظفاره، فعنى بتربيته وتخريجه فى الأدب نثره وشعره، وفى ذلك يقول الحفيد ابن برد الأصغر، كما روى ابن بسام عن كتاب له سماه «سر الأدب وسبك الذهب»: «وكان جدى أحمد بن برد-رحمه الله-بطول ممارسته لهذه الصناعة قد اقتعد سنامها، ورفع أعلامها، وأصبح إمامها، وإنى وافقت أول معالجتى لها آخر أيامه خلا أنه قد كان أقبسنى مصابيح من وصاياه فيها، ووطّأ لى مراكب من دلائله إليها، وضرب لى صوى (أعلاما) من هداياته نحوها أفاد الله بها نفعا». ويقول ابن بسام إن بنى برد ينتمون إلى بنى شهيد بالولاء، ولعلنا بذلك نفهم ما كان ينعقد من صلة وثيقة بين ابن برد الأصغر وابن شهيد، ويتضح ذلك فى جوانب من أخبار ابن شهيد، وحين توفى بكاه-كما أسلفنا-بكاء حارا.
وليس بين أيدينا أخبار عن نشأة ابن برد الأصغر إلا الخبر السالف عن عناية جده به ورعايته له. ونرى ابن بسام يذكر أنه حين اتخذ المستظهر الأموى فى سنة ٤١٤ ابن
(١) انظر فى ترجمة ابن برد الأصغر الجذوة للحميدى: ١٠٧ والمطمح: ٢٤ والبغية رقم ٣٥٤ والمغرب ١/ ٨٦ ومعجم الأدباء ٢/ ١٠٦ والذخيرة ١/ ٤٨٦ - ٥٣٥ وأخبارا متفرقة عنه فى ١/ ٣٥٨، ٧٧١، ٧٨٧ وراجع رسالته فى تفضيل الورد على سائر الأزهار فى ٢/ ١٢٧ وراجع ٣/ ٨١٩.