تداول المعانى بين الشعراء ومن قدرته على نقد الشعر وتذوقه ليبرهن على أنه يبذ الإفليلى فى انتقاد الشعر وتذوقه والوقوف على المعانى التى يشترك فيها الشعراء ويتداولونها، وكان تابع الكاتب والشاعر فى الشطر الأول من الرسالة يتمثل له بشرا سويا، وتشكّل له فى الشطر الثانى على صورة بعض الحيوانات والطير مستمدا فى ذلك كله من قصص الجن عند العرب.
وقرن كثير من الباحثين (١) هذه الرسالة لابن شهيد إلى رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى، ومنهم من ذهب إلى تأثر أبى العلاء بابن شهيد، ومنهم من ذهب إلى أن ابن شهيد هو الذى تأثر بأبى العلاء، وكلا الرأيين يجانبه الصواب، وحقا الرسالتان رحلتان فيما وراء الواقع، لكنهما بعد ذلك تتباينان فى موضوعيهما، فرحلة أبى العلاء تدور على عقيدة إسلامية هى عقيدة المعاد وما يتصل به من أهوال الحشر والصراط ونعيم الجنة وعذاب النار ولقاء بعض من غفر لهم من الشعراء واللغويين فى الفردوس ورؤية إبليس وبشار وأضرابه من الزنادقة فى الجحيم. أما رحلة التوابع والزوابع لابن شهيد-كما مرّت بنا- فتدور على ما شاع على ألسنة العرب فى عصرهم الجاهلى الوثنى من تصور شياطين للشعراء يلهمونهم أشعارهم. وواضح من موضوع الرحلتين أنهما لا يلتقيان أى التقاء وأن من الخطأ كل الخطأ أن يحاول باحث تبين أثر لإحداهما فى الأخرى. وذكرنا من قديم فى كتابنا «الفن ومذاهبه فى النثر العربى» ثم فى كتابنا «المقامة» أن الذى أوحى إلى ابن شهيد برحلته فى أرض الجن ووديانها إنما هو بديع الزمان وما قرأه فى مقامته الإبليسية عن لقاء عيسى بن هشام لإبليس فى واد من وديان الجن وتحاورهما وإنشاد إبليس له أشعارا جاهلية، ثم عرض عليه أن ينشده من شعره، فأنشده إبليس قصيدة لجرير، وعجب عيسى من انتحاله قصيدة جرير، ولم يلبث إبليس أن قال له: «ما أحد من الشعراء إلا ومعه معين منا، وأنا أمليت على جرير هذه القصيدة، وغاب عنه، وكأنما ابتلعته الأرض. وفى نفس رسالة التوابع والزوابع ما يؤكد الصلة بين ابن شهيد وبديع الزمان فى مقاماته، إذ نرى ابن شهيد يعرض على تابعى الجاحظ وعبد الحميد الكاتب رسالة طويلة فى ألوان من الحلواء أراد بها محاكاة بديع الزمان فى مقامته المضيرية.
وما يلبث ابن شهيد أن يذكر أنه لقى تابع بديع الزمان المسمى زبدة الحقب، ويقترح
(١) راجع بلاغة العرب فى الأندلس للدكتور أحمد ضيف (طبع القاهرة) ص ٤٨ والأدب الأندلسى للدكتور هيكل ص ٣٨١.