للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البديعة وبهرته، فأخذ يسأله عن أشعار لأبيه وأخيه وعمه وجده وجدّ أبيه، وابن شهيد يذكر له قائله منهم، حينئذ أقسم أن لا يعرض له أبدا، وشهد له بعراقته فى الكلام، وكأنما ألقمه حجرا بشعره وشعر آبائه فتضاءل وغاب عن بصره.

ويتبع ابن بسام ذلك بفصل أخير من فصول الرسالة أو قل بمشهد نرى فيه ابن شهيد مع تابعه زهير بأرض الجن يستعرضان أندية أهل الآداب، وإذا هما يشرفان على أتان من حمر الجن وبعض بغالهم وتعرّضت لابن شهيد الأتان تحكّمه فى شعرين لحمار وبغل من عشاقهم اختلفت التوابع من الجن فيهما، وتقدمت إليه بغلة شهباء عليها جلّها (غطاؤها الصائن لها) وبرقعها، وأنشدته الشّعرين ففضّل شعر البغل وقال: كان أنف الناقة أجدر منى بالحكم، وقالت له البغلة: أما تعرفنى؟ فقال لها: لو كانت بك علامة، فأماطت لثامها، فإذا هى بغلة أبى عيسى والخال على خدّها، فتباكيا طويلا، وأخذا فى ذكر أيامهما، وسألته: ما فعل الأحبّة بعدها؟ أهم لا يزالون على العهد؟ فقال: شاخ الفتيان، وتنكرت الخلاّن، ومن إخوانك من بلغ الإمارة، وانتهى إلى الوزارة، وحالوا عن العهد، ونسو أيام الودّ. وكانت بقربهم إوزّة بيضاء شهلاء فى مثل جثمان النعامة، ويسأل ابن شهيد زهير عنها، فيقول له إنها تابعة شيخ من مشيختكم تسمى العاقلة وتكنى أم خفيف، ويتحاور معها مثنيا عليها، فمرة تسبح ومرة تطير، ومرة تنغمس فى الماء ومرة تخرج منه، ثم سكنت وأقامت عنقها وعرّضت صدرها ورفرفت بمجدا فيها (بجناحيها) واستقبلته مع صاحبه جاثية (قائمة على مؤخّرتها) كصدر المركب، ثم سألته ماذا يحسن؟ فقال لها من الشعر أو النثر، فقالت له إنما أريد النحو والغريب تريد أن تتهمه بأنه لا يحسنهما، ويطيل الحوار معها واصفا لها بالحمق وأنها فى حاجة إلى عقل التجربة إذ عدمت العقل الطبيعى، ويسألها أيهما أفضل: الأدب أم العقل؟ وتجيبه العقل، فيقول لها إذا ظفرت منه بحظ فناظرى حينئذ فى الأدب. وكأن الإوزّة بذلك تأخذ صفة الإفليلى بشهادة تحديها لابن شهيد بإحسان النحو والغريب اللذين كان الإفليلى يشتهر بهما. وبذلك نفهم كلمة ابن بسام عن الرسالة لابن شهيد وتكرار ذكر الإفليلى فيها بأنه هو الذى به ابن شهيد عرّض، وجعله الغرض، وكأنما أنشأها من أجل الرد على ما وسمه به فى بعض دروسه من زلات وعثرات، مما جعله يعرض فى الباب الأول من الرسالة روائع شعره ونثره على توابع الشعراء والكتاب النابهين مقارنة إلى قصائد أصحابهم، وإذا هم يبهرون بشعره ونثره دائما ويجيزونه، محاولا بذلك أن يسقط نقد الإفليلى له. ثم أخذ يعرض جانبا من

<<  <  ج: ص:  >  >>