للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤ - شعره]

حاول طه حسين أن يردّ شعر امرئ القيس جميعه، لأنه يمنى من كندة وشعره قرشىّ اللغة، وقد مرّ بنا فى غير هذا الموضع أن كندة إن كانت يمنية الجنس فقد كانت عدنانية اللغة، كما مر بنا أن لغة قريش هى التى سادت وذاعت منذ أوائل العصر الجاهلى على لسان جميع الشعراء الشماليين سواء منهم من ينتسب إلى القبائل العدنانية ومن ينتسب إلى القبائل اليمنية، وقد أسلفنا أن أشعاره وأخباره دخلها وضع كثير. غير أن هذا كله لا ينتهى بنا إلى إنكار شعره جملة، وقد رأينا أننا لم نبق منه إلا على قلة قليلة.

ولعل أول ما يلاحظ على هذه الأشعار القليلة أنها تنقسم قسمين واضحين:

قسما نظمه قبل مقتل أبيه وقسما نظمه بعد مقتله. أما القسم الأول فلا يعدو المعلقة، والمطولة الثانية فى ديوانه (ألا عم صباحا أيها الطلل البالى) وهما جميعا مما رواه الأصمعى والمفضل الضبى وأبو عبيدة كما يتبين من تخريجهما فى طبعة الديوان بدار المعارف. وإذا رجعنا إلى المعلقة وجدنا فيها جزءا خاصّا بوصف البرق والمطر والسيول، ونجد نفس الموضوع فى القطعة السابعة والعشرين التى رواها أبو عمرو بن العلاء عن ذى الرمة. ولعل فى ذلك ما يؤكد صحة هذا الجزء على الأقل. ونحن نعرف أن امرأ القيس شبّ فى ديار بنى أسد بالقرب من تيماء (١)، وأن عبيد بن الأبرص كان بعاصره، وقد اشتهر بين الرواة بوصفه للمطر وإحسانه فيه (٢). واجتماعهما على هذا الوصف دليل بيّن على صحة ما ينسب إلى امرئ القيس منه.

ومعنى ذلك أن المعلقة تحمل بين ثناياها ما يؤكد نسبتها إلى امرئ القيس، وهو يستهلها بقوله:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدخول فحومل (٣)


(١) لعل من أكبر الدلالة على ذلك الأمكنة التى يذكرها فى معلقته فجميعها من منازل بنى أسد.
(٢) ابن سلام ص ٧٦.
(٣) السقط: منقطع الرمل، واللوى حيث يلتوى ويرق. وإنما خص منقطع الرمل وملتواء لأنهم كانوا لا ينزلون إلا فى صلابة من الأرض، والدخول وحومل: موضعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>