هذا الجزء من تاريخ الأدب العربى خاصّ بالعصر العباسى الأول، وكان طبيعيّا أن أبدأ فيه بدراسة الحياة العباسية التى فرضت نفسها على الأدباء العباسيين فرضا، سواء الحياة السياسية وما كان يجرى فيها من نظم وظروف وأحداث مختلفة، أو الحياة الاجتماعيّة وما كان يشيع فيها من تحضر وترف وشغف بالغناء وإغراق فى المجون وزندقة وزهد ونسك، أو الحياة العقلية وما التحم بها من ترجمة الثقافات الأجنبية ونشاط الحركة العلمية ونقل علوم الشعوب المستعربة ووضع العلوم اللغوية والتاريخ والعلوم الدينية والكلامية.
وقد بسطت القول فى ازدهار الشعر العربى حينئذ ازدهارا رائعا، إذ أكبّ الشعراء على العربية يتقنونها ويتمثلون ملكتها وسليقتها تمثلا دقيقا، نافذين بذوقهم المتحضّر إلى أسلوب مصفّى يجمع حينا بين الجزالة والرصانة، وحينا يجمع بين الرقة والعذوبة. وكان تأثرهم عميقا بالثقافات المترجمة وبما كانوا يستمعون إليه من محاورات المعتزلة مما أثار فى عقولهم ونفوسهم كثيرا من المعانى والخواطر التى لا تكاد تحصى، ودفعهم إلى التطور بموضوعات الشعر الموروثة تطورا نلمس فيه روح العصر وخصب الفكر ورهافة الشعور، وأضافوا إليها موضوعات جديدة بما نفذوا إليه من تحليل المعانى والملاءمة بين أشعارهم وبيئاتهم المتحضرة وحياتهم اليومية.
وفتحوا صفحة لم تكن تخطر لأسلافهم على بال، هى صفحة الشعر التعليمى الذى صاغوا فيه من المعارف والتاريخ والأمثال والقصص الحيوانى منظومات طريفة.
واكتشفوا للشعر أوزانا لم تكن معروفة وأنماطا من القوافى كانت مجهولة.
ودرست دراسة نقدية تاريخية أعلام الشعر فى العصر، وهم بشار وأبو نواس وأبو العتاهية ومسلم بن الوليد وأبو تمام، وحاولت أن أرسم شخصياتهم الأدبية وأثرهم فى تطور الشعر العربى وتجديده، فأما بشار فسنّ للشعراء أن يزاوجوا مزاوجة