للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس

طوائف من الشعراء

١ -

شعراء الغزل

الغزل من أهم موضوعات الشعر العربى، وقد نظمه شعراؤهم فى جميع عصورهم وأقاليمهم مصوّرين فيه عاطفة الحب الإنسانى وما تثير فيهم من المشاعر والخواطر. والشاعر تارة سعيد بحبه فى وصاله ووداعه، وتارة شقى محروم يتضرع ويستعطف ويتمنى ولو نظرة من بعيد. وقلما لا يتغنى شاعر عربى بالحب، فالشعراء جميعا يتغنون به حتى الفقهاء ومثلهم العلماء من كل صنف. ولكل وطن عربى مجلداته فى هذه العاطفة الخالدة وللمغرب الأقصى بدوره مجلداته، إذ نجده على ألسنة كثيرين من الشعراء والأدباء والعلماء معبرين فيه عن لحظاته الهنيئة من لقاءات صواحبهم ولحظاته المرة من هجرهن وانصرافهن عنهم دون وداع أو ما يشبه الوداع. وأول ما نلتقى به منهم فى عصر المرابطين بالمائة الخامسة للهجرة ابن القابلة السبتى إذ يقول (١):

ووجه غزال راق حسنا أديمه ... يرى الصبّ فيه وجهه حين يبصر

تعرّض لى عند اللقاء به رشا ... تكاد الحميّا من محيّاه تقطر

ولم يتعرّض كى أراه وإنما ... أراد يرينى أن وجهى أصفر

وهو يقول: بلغ وجه صاحبته من الجمال وشفافيته أن يظن مبصره أنه يرى فيه وجهه، وهى غزال أو رشا يكاد محياها يقطر خمرا ينتشى به مبصر وجهها كما ينتشى بشرب الخمر. ويتلطف فيقول إنها لم تتعرض له ليرى ما فى وجهها من بدائع الحسن، وإنما ليشعر بما حدث له فى قلبه من شدة الخفقان وفى وجهه من شدة الاصفرار حياء منها وانبهارا. ويقول ابن زنباع شاعر هذا العصر (٢):

لهواك فى قلبى كريقك فى فمى ... غيرى يقول الحبّ مرّ المطعم

فأدر علىّ بمقلتيك كئوسه ... حتى يدبّ خماره فى أعظمى (٣)


(١) الذخيرة لابن بسام ٤/ ١/٣٨١.
(٢) قلائد العقيان ص ٢٦٤.
(٣) الخمار: الانتشاء بالخمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>