للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدماء ومن شخصياتهم وشعرائهم وأدبائهم منذ الجاهلية حتى العصر العباسى يكمل بهم المعانى فى أبياته. وهو ما جعل أدباء المغرب يهتمون بكتابة شروح لها متعددة ومن أهمها شرح السلاوى وشرح عبد الله كنون، ونقتبس منها أبياتا سهلة لندل بها على خصب شاعريته فمن ذلك قوله فيمن سماها لبنى:

تسبى بثغر أشنب ومرشف ... قد ارتوى من قرقف معتّق (١)

وزاد مسك الخال ورد خدّها ... حسنا وقد عمّ بطيب عبق

وقبّلت أقدامها ذوائب ... سود كقلب العاشق المحترق

كم أودعت فى مقلتى من سهر ... وأضرمت فى مهجتى من حرق

ولا يزال فى رياض حسنها ... يسرح فكرى ويجول رمقى

فهى تخلب من يراها بفمها الجميل وريقها الذى كأنه من خمر معتقة، وقد زاد مسك الخال ورد خدورها حسنا بشذاه العبق، وقبّلت ضفائرها أقدامها وهى شديدة السواد كقلب عاشقها المحترق، وقد أودعت مقلته سهرا متصلا، وأضرمت فى مهجته حرقا متقدة، وإن فكره ليسرح دائما فى رياض حسنها ويجول معه ما بقى من شعوره بالحياة. والقطعة تموج بالصور والأخيلة. ومن قوله فى الأرجوزة مفاخرا:

سل ابن خلدون علينا فلنا ... بيمن مآثر لم تمحق

بهم فخرت ثم زدت مفخرا ... بأدبى الغضّ وحسن منطقى

وزان علمى أدبى فلن ترى ... من شعره كشعرى المنمّق

فإن مدحت فمديحى يشتفى ... به كمثل العسل المروّق

وإن هجوت فهجائى كالشّجا ... يقف فى الحلق ومثل الشّرق (٢)

وهو يقول سل ابن خلدون عنا ويريد سل تاريخه وما اشتمل عليه من أسماء آبائه ومآثرهم وأمجادهم، ويذكر أنه يفخر بهم ويزداد فخرا بأدبه وحسن بيانه ومنطقه، وقد زان علمه أدبه، ولن ترى لأحد شعرا كشعرى المنمق، فإن مدحت فمديحى مثل العسل المصفى، وإن هجوت فهجائى غصص تعترض فى الحلق ويشرق أو يغص بها المهجوّون. وتوفى ابن الونان سنة ١١٨٧ هـ‍/١٧٧٣ م. وحسبنا من الشمقمقية هذه الأشعار الواضحة البينة، أما ما وراءها من أشعار أخرى فيكتظ بالألفاظ الحوشية، وبالأسماء والأمثال من جاهلية وإسلامية مما يكدّ القارئ ويحوجه فيها إلى كثير من الشرح والبيان.


(١) ثغر: فم. أشنب: رقيق. مرشف: الفم وما به من ريق. قرقف: خمر.
(٢) الشجا: ما يعترض فى الحلق. الشرق: القصّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>