للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثانى

الثقافة

[١ - الحركة العلمية]

تميزت مصر بتأثيرها الواسع فى الحضارة الإنسانية من قديم، وهو تأثير لا يتوقف عند الرقى بفن الزراعة وشقّ التّرع وتدبير القنوات، إذ يمتد إلى فن المعمار وبناء الأهرامات وفن الملاحة وبناء السفن وصناعات المعادن والخزف والنسيج وورق البردى. وليس هذا فحسب فإنها نسجت لأول مرة حلل الحروف الهير وغليفية التى اشتقّت منها الحروف الفينيقية، وأيضا ليس هذا فحسب، فإنها أسهمت بقوة فى نشأة العلم بمعناه العالمى، سواء العلم الهندسى أو الرياضى أو الطبى. وعلى الرغم من اقتحام الجيوش المغيرة لأسوارها وحصونها فى الحين بعد الحين ظلت فيها الروح العلمية كالجذوة المتقدة لا تخمد مهما تراكم عليها من التراب. ونستطيع أن نتبين شررا كثيرا من هذه الجذوة فى عهد البطالمة الذين اتخذوا الإسكندرية عاصمة لهم، فقد بنوا فيها متحفا ضخما ضم بين جناحيه جامعة كبرى كان بها مدرسة للطب، وثانية للرياضيات والفلك، وثالثة للقانون والفلسفة، وضم أيضا مكتبة كبيرة يقال إنه كان بها أربعمائة ألف كتاب أو أكثر. وطبيعى أن تكون اليونانية لغة الدولة هى نفسها لغة العلم فى تلك الدورة من تاريخ مصر، ويغزو الإسكندرية يوليوس قيصر وتحرق المكتبة فى أثناء غزوه. وتتطور الظروف سريعا وتصبح مصر ولاية رومانية، وينشى المصريون مكتبة صغرى بمعبد السرابيوم على قلعة الأكروبوليس. ولا نصل إلى سنة ٣٩١ للميلاد حتى يثور القبط بالإسكندرية على ورثة الوثنية الإغريقية ومعبدهم السرابيوم ويهدموه ويدمّروا معه المكتبة. ولا يعنى الرومان بالحركة العلمية فى مصر أى عناية، فقد عدّوها مخزنا يمدهم بالقمح، ومع ذلك ظلت فيها بقايا كثيرة من حركتها العلمية لعهد البطالمة. وظلت الإغريقية سائدة فى لغة

<<  <  ج: ص:  >  >>