التعليم فى الأقطار المغربية-مثل بقية الأقطار العربية-معتمدا على الكتاتيب لتعليم الناشئة وعلى المساجد ليتلقى فيه من يكبرونهم دروسا فى التفسير والحديث والفقه والعربية، وتمضى هاتان الصورتان من التعليم، حتى إذا كنا فى القرن الخامس أخذت تنضم إلى الكتاتيب والمساجد مؤسسة جديدة هى المدارس والمعاهد، ويتنافس معلموها أو شيوخها وشيوخ المساجد، مما أثرى الحركة العلمية، حتى إذا كنا فى القرن الثامن الهجرى أخذت تظهر مؤسسة ينافس شيوخها شيوخ المدارس والمساجد، وهى مؤسسة الزوايا، وحرى أن نخص كل دار من هذه الدور العلمية بكلمة.
[(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات]
[الكتاتيب]
انتشرت الكتاتيب-منذ القرن الأول الهجرى-فى كل بلد وقرية كبيرة أو صغيرة فى الوديان وعلى سفوح الجبال، ويقول ابن خلدون بمقدمته فى الفصل الخاص بتعليم الناشئة فى الكتاتيب «إن هذا التعليم شعار من شعائر الدين أخذ به المسلمون ودرجوا عليه فى جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده عن طريق آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذى ينبنى عليه ما يحصل بعد من الملكات». ثم يقول: «إن مذهب أهل المغرب (الأقصى) الاقتصار على تعليم القرآن فقط وأخذ الناشئة فى أثناء دراسته برسم ألفاظه، ويقول إنهم لا يخلطون ذلك بتعليم شئ من حديث أو فقه أو شعر حتى تجاوز الناشئة حد البلوغ إلى الشبيبة (الشباب)، بخلاف أهل إفريقية التونسية فإنهم يخلطون فى تعليمهم للناشئة القرآن بالحديث فى الغالب ومدارسة قوانين العلوم وتلقين بعض مسائلها.
فالكتاتيب فى المغرب الأقصى إذن لم تكن تعنى بشئ سوى تحفيظ القرآن وتعليم رسم الآيات وما يتصل بذلك من الخط، ويقول الحسن الوزان فى حديثه عن الكتاتيب بفاس إن بها مائتى كتّاب، ويشتمل كل كتاب على قاعة كبيرة مع درجات تستخدم كمقاعد للأطفال، والمعلم يعلمهم القراءة والكتابة لا فى كتاب معين، وإنما يستعين بألواح خشب كبيرة تكتب عليها الناشئة ما تحفظه من الآيات. ويختم الناشئ القرآن فى نحو سبع سنوات، ويعلمه المعلم الخط، وحينما يصل إلى إجادة جزء لا بأس به من القرآن يقدّم أبوه هدية لمعلمه، وحينما يختمه يصنع أبوه وليمة فاخرة لكل زملائه فى الكتّاب، ويقدم لمعلمه كسوة جديدة. ويقول الوزان إن للناشئة-مثل طلاب المعاهد-يومين فى الأسبوع للراحة لا يختلفون فيهما إلى الكتاتيب.