للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(ا) رسائل أبى العلاء]

لأبى العلاء رسائل أدبية مشهورة مثل رسالة الغفران ورسالة الملائكة، وله بجانب ذلك رسائل شخصية كثيرة، عنيت بطبعها المطبعة الأدبية ببيروت لأواخر القرن الماضى سنة ١٨٩٤ وطبعها مرجليوث فى أكسفورد بعد ذلك بأربع سنوات، وحققها الدكتور عبد الكريم خليفة ونشرها بعمان فى الأردن سنة ١٩٧٦ وقد بلغت عنده ٤٢ رسالة. وأولاها رسالة المنيح وهو القدح الثامن من قداح الميسر التى ليس لها نصيب فى القمار، وكأنه كنى به عن نفسه فى تلك الرسالة التى وجّه بها إلى أبى القاسم الحسين بن على المغربى ردّا على رسالة أرسل بها أبو القاسم إليه.

ونراه يستهل رسالته بقوله:

«إن كان للآداب-أطال الله بقاء سيدنا-نسيم يتضوّع (١)، وللذكاء نار تشرق وتلمع، فقد فغمنا (٢) على بعد الدار أرج (٣) أدبه، ومحا الليل عنا ذكاؤه بتلهّبه، وخوّل (٤) الأسماع شنوفا (٥) غير ذاهبة، وأطلع فى سويداوات القلوب كواكب ليست بغاربة، وذلك أنا-معشر أهل هذه البلدة-وهب لنا شرف عظيم، وألقى إلينا كتاب كريم، صدر عن حضرة السيد الحبر (٦)، ومالك أعنة النظم والنثر، قراءته نسك، وختامه بل سائره مسك، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون. جلّ (٧) عن التقبيل فظلاله المقبّلة، ونزّه أن يبتذل فنسخة المبتذلة، وإنه عندنا لكتاب عزيز. ولولا الإلاحة (٨)، على ما ضمن من الملاحة، والخشية على دجى مداده من التوزّع، ونهار معانيه من التشتت والتقطع، لعكفت عليه الأفواه باللّثم، والموارن (٩) بالانتشاء (١٠) والشّمّ، حتى تصير سطوره لمّى (١١) فى الشفاه، وخيلانا على مواضع السجود من الجباه، ولولا ما حظره الدين من القمار لضربنا عليه بالسبعة الفائزة، والثلاثة التى ليست لحظّ


(١) يتضوع: يفوح.
(٢) فغمنا: ملأ أنوفتا.
(٣) أرج: شذى
(٤) خول: أعطى
(٥) شنوفا: أقراطا
(٦) الحبر: العالم
(٧) جل: تنزّه
(٨) الإلاحة: الإشفاق
(٩) الموارن: الأنوف.
(١٠) الانتشاء: شم الطيب ونحوه.
(١١) اللمى: سمرة حسنة فى الشفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>