للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحائزة. . فيا شرفه من صكّ بالفخر، يبجح به على النّظراء حيرىّ (١) الدهر، موشّحا بكل شذرة أعذب من سلاف العنقود، وأحس من الدينار المنقود، فجاء كلوائح البروق، أو يوح (٢) عند الشروق».

وإذا مضينا بعد ذلك فى قراءة رسالة المنيح-وهى طويلة-أخذت أمواج الألفاظ الغريبة تتوالى، حتى ليصعب على أى عالم لغوى أن يمضى فيها دون أن يعود إلى المعاجم يستبين منها ما يقرأ لا من حين إلى آخر، بل مع كل سجعة، بل مع غير لفظ فى كل سجعة، وكأنما كان يطلبه طلبا فى سجعاته، أو كأنما كان يعده زينة ينبغى أن لا تخلو منه سجعة. وهو لذلك يملأ الرسالة بالألفاظ الغريبة المبعدة فى الإغراب مما قرأه فى الشعر القديم وفى كتب اللغة، ولا يهمه أن تكون الكلمة مما دوّن فى المعاجم، بل لعله كان يطلب ذلك استكمالا لغرابتها، ومن هنا تصبح قراءته صعبة إلى أقصى حدود الصعوبة. ولم يكن يكتفى بذلك فى بعض رسائله، فقد كان يضيف صعوبة ثانية هى حشد ألفاظ المصطلحات العلمية وخاصة مصطلحات العلوم اللغوية على نحو ما نقرأ فى رسالته المعروفة برسالة الإغريض وهو ما ينشق عنه الطلع من الحبيبات، والرسالة موجهة أيضا إلى أبى القاسم المغربى وفيها يقول:

«حرس الله سيدنا حتى تدغم الطاء فى الهاء، فتلك حراسة بغير انتهاء. . وهما فى الجهر والهمس، بمنزلة غد وأمس، وجعل الله رتبته التى هى كالفاعل والمبتدأ، نظير الفعل فى أنها لا تنخفض أبدا، فقد جعلنى إن حضرت عرف شانى، وإن غبت لم يجهل مكانى، كيا فى النداء، والمحذوف من الابتداء، إذا قلت زيد أقبل، والإبل الإبل، بعد ما كنت كهاء الوقف، إن ألقيت فبواجب، وإن ذكرت فغير لازب (٣)، إنى وإن غدوت فى زمن كثير الدّد (٤) كهاء العدد، لزمت المذكر فأتت بالمنكر، مع إلف يرانى فى الأصل كألف الوصل، وتكون تارة حرف لين، وتارة مثل الصامت (٥) الرصين، فهى لا تثبت على طريقة، ولا تدرك لها صورة فى الحقيقة»

وهو يدعو لأبى القاسم أن تظل تحرسه عناية الله إلى أبد الآبدين أو كما يقول إلى أن تدغم الطاء


(١) يبجح: يفخر. حيرى الدهر: أبد الدهر.
(٢) يوح: اسم الشمس.
(٣) لازب: لازم.
(٤) الدد: اللهو واللعب.
(٥) الحروف المحققة مما سوى حروف اللين والمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>