للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى الهاء وهى لا تدغم فيها أبدا، إذ الطاء حرف مجهور الصوت-كما يقول-والهاء حرف مهموس لا يكد صوته يبين، فهما من طبيعتين مختلفتين ولذلك لا يدّغمان أبدا ولا يتحدان كالأمس والغد. ويدعو أبو العلاء له أن تصبح رتبته أرفع الرتب فى الدولة، كرتبة الفاعل والمبتدأ فى النحو، إذ هما بسبب رفعهما فى أعلى الرتب. ويدعو له أن لا يلحقه خفض فى رتبته كالفعل لا يلحقه خفض ولا جرّ أبدا. ويقول إن أبا القاسم جعله معروفا رفيع الشأن حضر أو غاب مثل ياء النداء فمكانها محفوظ ذكرت مع المنادى أو لم تذكر، ومثلها المبتدأ ذكر أو حذف فمكانه محفوظ، فتقول: محمد أى يا محمد، وتقول كتاب الأدب أى هذا كتاب الأدب. ويقول إنه كان قبل أن يضعه أبو القاسم فى منزلته الرفيعة كالهاء التى تلحق ببعض الكلمات فى الوقف، مثل: لم تقول فيها لمه، فهى تطرح وتذكر دون أن يكون لها شأن فى الكلمة. ويقول إنه كان يشعر بنبو مكانه على نحو ما يلاحظ فى هاء العدد أوتائه من ثلاثة إلى عشرة، فإنها تلحق عددها مع المذكر وتطرح مع المؤنث، وكان القياس فى العربية العكس. ولا يكتفى بذلك فيقول إنه كان كألف الوصل مع أصحابه، تذكر حين الابتداء بالساكن وتسقط فى درج الكلام. ويقول إن حاله كانت مثل الهمزة تبدل أحيانا عينا فى لغة تميم، فيقولون فى أن عن، وقد تنطق بين الهمزة المحققة وأختها المسهلة أو كما يقول «بين بين» وقد تسهّل تماما فتصبح حرف لين مثل سال فى سأل، وقد تحقق وخاصة فى أول الكلمات فلا تسهّل مثل أمر، فهى كما يقول أبو العلاء لا تثبت فى العربية على طريقة.

وأبو العلاء بذلك يصعّب نثره على قارئه، بحيث لا يستطيع قراءته وفهمه إلا العالم اللغوى لكثرة الألفاظ الغريبة فيه، وليس ذلك فحسب، فإن هذه القطعة فى الرسالة لا يستطيع أن يفهمها إلا من عرف مصطلحات علمى النحو والصرف، وقد مضى فى الرسالة يستظهر مصطلحات علم التجويد والقراءات وعلم العروض وتلاحين الموسيقى ومصطلحات علم الفلك مع معارف كثيرة عن الخيل والحيوان. وله مناظرة طويلة بين الصاهل والشاحج أو بين الفرس والبغل، وهو كتاب نفيس نشرته بنت الشاطئ بدار المعارف. وتتكاثر فى الرسالة المعارف عن المرأة وحليها ولا بأس من إيداعها شيئا من التاريخ. وكل ذلك يصعّبها: سجع وأوابد لفظية وأوابد أو مصطلحات علمية ومعارف شتى. وكأنما استأثرت بالشطر الأكبر من هذا كله الرسالة الإغريضية. وتقل المصطلحات العلمية فى بقية رسائله غير أنه لا يزال يستظهرها فيها من حين إلى حين، ومرجع ذلك إلى أنه كان يكتب برسائله إلى علماء فى عصره، فكان يسوق إليهم هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>