كنت زين الأحياء إذ كنت فيهم ... ثم قد صرت زين أهل القبور
وقوله:
قمر أنا استخرجته من دجنه ... لبليّتى وجلوته من خدره
عهدى به ميتا كأحسن نائم ... والحزن يسفح عبرتى فى نحره
وكان يتعلّق غلاما وينظم فيه بعض أشعاره، فجمعت الكتب المتأخرة بين الزوجة والغلام، وجعلته مصدر شكه واتهامه، ثم توسعت فى القصة، فجعلته يراهما فجأة فى بعض الأيام متعانقين تحت إزار واحد، فقتلهما وأحرق جسديهما وصنع من رماد كل منهما كوزا يحتسى به الخمر، وتزعم القصة أنه كان إذا أخذ فى الشرب تناول هذا تارة وذاك تارة ثانية، مقبّلا لهما، ثم أخذ يصبّ الخمر وهو يصبّ دموعه منشدا مراثيه فيهما وقلبه يتقطع حزنا وكمدا.
وواضح مما أنشدناه له أنه كان يعنى بشعره ويروّى فيه، ويقول أبو الفرج إنه يذهب مذهب الشاميين فى أشعاره، وكأنه يريد أن يقرنه بأبى تمام والبحترى ومن كانوا يعنون فى شعرهم بالبديع. وليس من شك فى أن أروع أشعاره ما نظمه فى بكاء صاحبته، متفجعا متحسرا نادما كما لم يندم أحد، وما زال يردّد ذلك حتى توفّى سنة ٢٣٥ للهجرة.
[٣ - شعراء البرامكة]
مرّ بنا فى الفصل الأول أن البرامكة يتحدرون من أسرة كانت تضطلع بسدانة معبد النوبهار البوذى فى بلخ، وقد تألق اسم خالد بن برمك فى قيادته لبعض الجيوش الخراسانية التى قوّضت حكم بنى أمية. ونرى السفاح يتخذه وزيرا له ويقيمه على بعض الدواوين، كما نرى المنصور وابنه المهدى يقربانه منهما ويوليّانه الولايات والأعمال الجليلة. . وما زال عندهما فى حظوة حتى توفّى سنة ١٦٦ الهجرة. وعرف