للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل كلمة من هذه الرسالة تنبئ عن دقة الكاتب وحذقه، وأنه يعرف كيف يتخيّر ألفاظه وكيف يصوغها وكأنها عقود جميلة تتألف من جواهر أنيقة. وهو لا يقتدر على اللفظ فحسب، بل هو أيضا يقتدر على جلب المعانى الظريفة، التى تروع بما فيها من منطق عقلى دقيق، وهو يعرضها فى أسلوب من الازدواج الرشيق تزينه الاستعارات والطباقات.

وعلى هذا النحو أخذت الكتابة ترقى لا فى الرسائل الشخصية فحسب، فقد رأينا كتّاب العظات والسياسة يحقّقون نفس الرقى، وحرى بنا الآن أن نتحول إلى كتّاب الدواوين، لنرى ما أصاب الكتابة على أيديهم من تجويد وتحبير.

٣ - كتّاب الدواوين

معروف أن عمر أول من دوّن الدواوين فى الإسلام، وتؤكد الروايات التى رافقت صنيعه بأنه استعار هذا النظام من الفرس الأعاجم (١)، إذ أحسّ حاجته إلى سجلاّت يدوّن فيها الناس وأعطياتهم وأموال الفيئ والغنائم، وبذلك وضع أساس ديوانى الخراج والجند، حتى إذا ولى معاوية الخلافة وجدناه يتخذ ديوانين هما ديوان الرسائل، وديوان الخاتم (٢)، وفيه كانت تختم الرسائل الصادرة عنه، حتى لا يغيّر فيها من يحملونها إلى الولاة. وظل ديوان الخراج يكتب فى الشام ومصر بالرومية وفى العراق بالفارسية إلى عصر عبد الملك ابن مروان، إذ نراه يطلب إلى سليمان بن سعد الخشنى كاتبه على ديوان الرسائل أن يترجم ديوان الشام الرومى (٣)، وفى الوقت نفسه يطلب الحجاج إلى صالح ابن عبد الرحمن كاتبه هو الآخر على ديوان الرسائل أن يترجم ديوان العراق


(١) الوزراء والكتاب للجهشيارى ص ١٦.
(٢) نفس المصدر ص ٢٤.
(٣) نفس المصدر ص ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>