للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفارسى (١)، ويظهر أن ديوان مصر تحول سريعا إلى العربية، أما ديوان خراسان فتأخر نقله إلى عصر (٢) هشام بن عبد الملك.

وليس معنى ذلك أن الأجانب خرجوا من الدواوين منذ عصر عبد الملك، فقد أخذوا يحسنون العربية ويشاركون فيها، وكانت هذه المشاركة منذ أول الأمر داعية لأن يطلب العرب معرفة ما يتصل بهذه الدواوين من نظم، وما تواصى به أهلها وخاصة من الفرس فى إتقان العمل بها، ولعل ذلك ما جعل الجهشيارى يقدم لكتابه «الوزراء والكتاب» بمقدمة طويلة عن نظم الدواوين الفارسية.

ونحن فى الواقع إنما يهمنا ديوان الرسائل، لأن أصحابه هم الذين كانوا يدبّجون الكتب على ألسنة الخلفاء والولاة، وبحكم وظيفتهم كانوا يختارون من أرباب الكلام وأصحاب اللّسن والبيان، وكان كل منهم يحاول أن يظهر براعته ومهارته وحذقه فى تصريف الألفاظ وصياغة المعانى، حتى يروق من يكتب على لسانه، وينال رضاه واستحسانه.

وعلى هذا النحو تكونت طبقة كبيرة من كتّاب محترفين، تتابعت أجيالهم على مرّ الزمن فى هذا العصر، وكلّ جيل سابق يسلم إلى خلفه صناعته، وكل جيل لاحق يحاول أن يضيف إلى براعة سلفه براعة جديدة. وكانوا كثيرين، إذ لم تختص بهم دمشق، فقد كان لكل وال وقائد كاتب، وأحيانا كان يتخذ الوالى فى العمل الكبير أو الولاية الكبيرة طائفة من الكتاب. وكثيرا ما كان يطمح كتّاب الولايات إلى أن يلفتوا ببلاغتهم من يكتبون إليهم من الخلفاء، حتى يعّينوهم فى دواوينهم. واشتهر الحجاج بأنه كان كثير التعهد لرسائل قواده، حتى إذا لفتته رسالة ببلاغتها سأل عن كاتبها وطلب مثوله بين يديه (٣)، وكان إذا أعجبه كاتب وملأ نفسه ربما أرسل به إلى عبد الملك ابن مروان ليسلكه بين كتّابه، على نحو ما صنع بمحمد (٤) بن يزيد الأنصارى.

ولم يعرض علينا الجهشيارى آثار هؤلاء الكتاب إلا قليلا، فقد اكتفى بعرض أسمائهم موزّعا لهم على عهود الخلفاء، وفى عهد كل خليفة يسرد أسماء


(١) الجهشيارى ص ٣٨
(٢) الجهشيارى ص ٦٧.
(٣) البيان والتبيين ١/ ٣٨٧ والطبرى ٥/ ١٨٧ والمبرد ص ١٥٨.
(٤) طبرى ٥/ ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>