للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتّاب الولاة. وإذا رجعنا فيه إلى أيام معاوية وجدناه يذكر بين كتّابه عمرو بن سعيد بن العاص الملقب بالأشدق لفصاحته وروعة منطقه وجهارة صوته، وكان خطيبا لا يبارى (١). ولم يؤثر عنه شئ من الرسائل فى عهد معاوية، وقد روى له الجاحظ رسالة فى عهد عبد الملك حين خرج عليه، إذ كتب إليه عبد الملك يتوعده، فأجابه عمرو (٢):

«أما بعد فإن استدراج النّعم إياك أفادك البغى، ورائحة القدرة أورثتك الغفلة. زجرت عما واقعت مثله، وندبت إلى ما تركت سبيله، ولو كان ضعف الأسباب يؤيس الطلاب ما انتقل سلطان ولا ذلّ عزيز. وعمّا قليل تتبيّن من أسير الغفلة، وصريع الخدع، والرّحيم تعطف على الإبقاء عليك، مع دفعك ما غيرك أقوم به منك والسلام».

والرسالة على قصرها تصور مهارته البيانية وقدرته على التعبير الموجز السريع مع طلاوة اللفظ وحسن الديباجة. وكان يتولّى ديوان الرسائل لمعاوية وابنه يزيد عبيد (٣) الله بن أوس الغسّانى، وروى له الجهشيارى رسالة على لسان يزيد إلى عبيد الله بن زياد ليتخذ العدّة فى مقاومة الحسين بن على حين نزوله العراق وهى تمضى على هذا النحو (٤):

«أما بعد فإن الممدوح مسبوب يوما ما، وإن المسبوب ممدوح يوما ما وقد انتميت إلى منصب كما قال الأول:

رفعت فجاورت السحاب وفوقه ... فما لك إلا مرقب الشمس مرقب

وقد ابتلى بحسين زمانك دون الأزمان، وبلدك دون البلدان، ونكبت به من بين العمّال، فإما تعتق أو تعود عبدا، كما يعبّد العبد، والسلام».

والرسالة قصيرة، ويظهر أنهم كانوا يستحبون القصر فى الرسائل الديوانية حتى هذا العهد. وكان أول من أطال فيها كاتب لعبيد الله بن زياد يسمى عمرو (٥) بن نافع، ولا شك فى أن هذا الطول رمز لما كان يأخذ به الكتاب أنفسهم فى هذا التاريخ من التفنن فى القول، وهو تفنن كان يفتقر إلى ترتيب


(١) انظر البيان والتبيين ١/ ٣١٥ وراجع فهرسه.
(٢) البيان والتبيين ٤/ ٨٧.
(٣) الجهشيارى ص ٢٤، ٣١.
(٤) الجهشيارى ص ٣١.
(٥) طبرى ٤/ ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>