للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدام تجلب الهمّ ... ولا تطرده عنّا

فلا النفس بها سرّت ... ولا القلب لها حنّا

وهى سخرية قاتلة من الشيخ، ولم نسق ما أضافه إلى الخمر من التبذل والتهتك واطراح الحشمة فى صراحة، لأن الهجاء بذلك يتحول سبّا يؤذى النفوس. وفى رأينا أن هجاءه ينزل درجات عن بقية فنونه الشعرية، وخاصة فى فنى المديح والغزل، وكان يتغنّى بشعره فى بغداد لعصره وبعد عصره بمثل قوله متغزلا:

بنفسى من أجود له بنفسى ... ويبخل بالتحية والسلام

وحتفى كامن فى مقلتيه ... كمون الموت فى حدّ الحسام

والصورة فى البيت الثانى بديعة. ولا يعرف تاريخ مولده، أما وفاته فكانت فى بغداد سنة ٣٦٠ وقبل سنة ٣٦٢ وقيل بل سنة ٣٦٦ إذ اتخذها دار مقام له فى أخريات حياته.

ابن القطّان (١) البغدادى

هو أبو القاسم هبة الله بن الفضل بن القطان، ولد ببغداد سنة ٤٧٨ وأكب على دراسة الحديث النبوى فى نشأته، ثم اتجه إلى دراسة الطب فأتقنها، حتى عدّ من أطباء بغداد، وكان كثير النوادر، وغلب عليه الشعر، وكان خبيث اللسان هجاء، كما كان غاية فى المجون والخلاعة وكثرة المزاح والدعابة، وقد هجا جماعة من الأعيان وكبار رجال الدولة، وكاد لا يسلم منه أحد لا خليفة ولا غيره، وعوقب مرة على هجائه إذ هجا قاضى القضاة الزينبى بقصيدة كافية أولها:

يا أخى الشّرط أملك ... لست للثّلب أترك

وهى طويلة عدد أبياتها مائة وثمانية عشر بيتا، وتناقلتها الرواة واشتهرت ولاكتها الألسنة، فبلغ ذلك القاضى الزينبى، فأحضر ابن القطان وصفعه وحبسه مدة، ثم ردّ إليه حريته. وكان يعرف كيف يخز فى هجائه وخز الإبر، من مثل قوله فى الوزير أنوشروان ذامّا له بالتواضع:

هذا تواضعك المشهور عن ضعة ... فصرت من أجله بالكبر تتّهم

قعدت عن أمل الرّاجى وقمت له ... فذا وثوب على الطلاّب لا لهم


(١) انظر فى ترجمة ابن القطان المنتظم ١٠/ ٢٠٧ وطبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة (نشر دار مكتبة الحياة ببيروت) ص ٣٨٠ وابن خلكان ٦/ ٥٣ ولسان الميزان ٦/ ١٨٩ ومرآة الجنان ٣/ ٣١٥ والخريدة (قسم العراق) ٢/ ٢٧٠ وفوات الوفيات ٢/ ٦١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>