ويكثر مثل هذا الوخز وما يحمل من سخرية فى هجوه، مما يدل على قدرة حقيقية فى الهجاء، إذ لم يكن يعمد إلى السب والشتم، إنما يعمد إلى سموم تفتك بمن تسلّط عليه كقوله فى ابن المرخّم قاضى القضاة ببغداد:
يا ابن المرخّم صرت فينا قاضيا ... خرف الزمان تراه أم جنّ الفلك
إن كنت تحكم بالنجوم فربما ... أمّا بشرع محمد من أين لك
وهو بعد فى الهجاء وهزء ما بعده هزء بقاضى القضاة فى عصره. وله قصيدة طويلة فى هجاء كتّاب الديوان لزمنه، وكان بينهم عباسيون، فتعرض لأحدهم يغمزه فى نسبه إلى العباس بن عبد المطلب جدّه، قائلا:
نسب إلى العباس ليس نظيره ... فى الضّعف غير الباقلاء الأخضر
وضعف عود الباقلاء الأخضر معروف. وله قصيدة طويلة يسخر فيها من واعظ ووعظه وأنه يعظ الناس بما لا ينهى عنه نفسه، وله يقول:
وأنت تنهى الناس عن غيبة ... فى مثلها تامر بالرّدّ
إما بتخويف من النار أو ... بنوع تشويق إلى الخلد
وبعد ذا تفعل بى هكذا ... زنهار من سالوسك السّرد
وهذه العجمة من عندك اق ... تبستها ما هى من عندى
ارجع إلى الله ودعنى ولا ... ترم بسهم الطّيش من بعد
فهو ينهى الناس عن الغيبة ويغتابه، مع أنه كثيرا ما يلوّح للناس بأنها قد تدخلهم النار وأن تركهم لها قد يدخلهم الفردوس، والشطر الثانى فى البيت الثالث عبارة فارسية يشير بها إلى أصل هذا الواعظ الأعجمى، وكلمة زنهار كلمة استغاثة بالفارسية. والسالوس السرد: الكلام المعسول البارد. وهو يستغيث بذلك من وعظه، ويقول له ساخرا إنما اقتبست هذه الصيغة الأعجمية من عندك فأنت أعجمى اللسان لا تكاد تفصح فى البيان، ويناديه هازئا به ارجع إلى ربك واستغفر لذنبك. وتكثر فى القصيدة الألفاظ والعبارات الفارسية، مما يدل على معرفته التامة لتلك اللغة. وعلى هذا النحو كان ابن القطان لا يزال يسخر سخريات لاذعة بمن حوله، كقوله فى وزير كان يستثقل وزارته وظلّه:
يا معشر الناس النفير النفير ... قد جلس الهردبّ فوق السّرير
وصار فينا آمرا ناهيا ... وكنت أرجو أنه لا يصير
فكلما قلت قذى ينجلى ... وظلمة عما قليل تنير