فى الفلسفة والطب، غير أن ابن عنين دمشقى. وعلى كل حال هو تكملة لهذه الظاهرة التى رآها فى إيران، ظاهرة مدائح التلاميذ والمريدين لشيوخهم وأساتذتهم من العلماء والفقهاء. وجدير بنا أن نقف عند ثلاثة من شعراء المديح فى تلك البيئة لتتضح لنا صورته، وهم على بن عبد العزيز الجرجانى والطّغرائى والأرّجانىّ.
على (١) بن عبد العزيز الجرجانى
من جرجان، وفد على نيسابور فى صباه، وسمع على شيوخها، وتخرّج بهم فقيها شافعيا نابها، وولى قضاء موطنه جرجان ثم ولاّه الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة وأخيه فخر الدولة قضاء الرّىّ، ثم جعله قاضى القضاة بها، وظل فى هذه الوظيفة إلى أن توفى سنة ٣٩٢ وحمل تابوته إلى جرجان فدفن بها، وترجم له الثّعالبى فى يتيمته فقال:«هو فرد الزمان، ونادرة الفلك، وإنسان حدقة العلم، ودرّة تاج الأدب، وفارس عسكر الشعر، يجمع خط ابن مقلة إلى نثر الجاحظ ونظم البحترى». ومرّ بنا حديث عن كتابه «الوساطة بين المتنبى وخصومه» وكيف أنه فيه يصدر عن ناقد ممتاز، بل لعله أهم ناقد ظهر فى عصره. وهو فى الكتاب يصور ثقافة واسعة بالشعر العربى قديمه وحديثه، كما يصور ذوقا شعريا مصفى. وبهذا الذوق كان ينظم أشعاره فى المديح وغير المديح، وقد روى له الثعالبى طائفة من مدائحه فى قوّاد عصره وولاة جرجان وفى شمس المعالى قابوس بن وشمكير صاحب طبرستان، وللصاحب بن عباد القدح المعلى من مدائحه من مثل قوله:
يا أيها القرم الذى بعلوّه ... نال العلاء من الزمان السّولا
قسمت يداك على الورى أرزاقها ... فكنوك قاسم رزقها المسئولا
وهى مبالغة أن يجعل الصاحب يقسم على الناس أرزاقهم، ولكنها كانت تستحبّ فى عصره، وكان كل شاعر يحاول أن يأتى منها بمعنى طريف. وكان الصاحب بحرا فياضا أغدق الصلات على زوّاره وقاصديه، وله يصف بلاغته التى عرف بها فى النثر والشعر جميعا:
سبقت بأفراد المعانى وألّفت ... خواطرك الألفاظ بعد شرادها
(١) انظر فى ترجمة على بن عبد العزيز وشعره معجم الأدباء ١٤/ ١٤ واليتيمة ٤/ ٣ وما بعدها وابن خلكان ٣/ ٢٧٨ والسبكى ٣/ ٤٥٩ والمنتظم ٧/ ٢٢١ وشذرات الذهب ٣/ ٥٦ ومرآة الجنان ٢/ ٣٨٦ والنجوم الزاهرة ٤/ ٢٠٥.