فإن نحن حاولنا اختراع بديعة ... حصلنا على مسروقها ومعادها
وهو معنى طريف، وكانت له ملكة خصبة لا تزال تمده بالمعانى الغريبة النادرة، وكان يعرف كيف يقتنصها وكيف يوردها فى مدائحه من مثل قوله للصاحب:
لا وجفون يغضّها العذل ... عن وجنات تذيبها القبل
ما عاش من غاب عن ذراك وإن ... أخّر ميقات يومه الأجل (١)
وله فى عياداته حين يمرض قصائد بديعة، وأخرى فى تهنئته حين يبلّ من مرض ألمّ به أو حمّى نزلت بجسده، وكان يتخيلها من تلهب ذهنه وتوقد ذكائه، ومن قوله فى تهنئة له بالشفاء:
بك الدهر يندى ظلّه ويطيب ... ويقلع عما ساءنا ويتوب
وأنشد له الثعالبى قصيدة طويلة فى وصف دار الصاحب التى بناها بأصبهان وتبارى الشعراء فى وصفها على نحو ما مر فى حديثنا، كما أنشد له أيضا قصيدة فكهة فى رثاء برذون أبى عيسى بن المنجم، استهلها بقوله:
جلّ والله مادهاك وعزّا ... فعزاء إن الكريم معزّى
هى ما قد علمت أحداث دهر ... لم تدع عدّة تصان وكنزا
وكان يمزج بين الطبيعة والمديح مزجا بديعا لا يكتفى فيه بأن يجعل الطبيعة مقدّمة للمديح كما كان يصنع الشعراء كثيرا من حوله، بل يجعلها جزءا من الممدوح ومن عمله وشيمه وفكره، وكأنها صورة منه، أو كأنها مرآة له، يقول فى وصف بعض الرياض الجميلة الساحرة مادحا لأبى مضر محمد بن منصور والى جرجان:
أباتت يد الأستاذ بين رياضها ... تدفّق أم أهدت إليها سحائبا
أألبسها أخلاقه الغرّ فاغتدت ... كواكبها تجلو علينا كواكبا
أوشّت حواشيها خواطر فكره ... فأبدت من الزّهر الأنيق غرائبا
أخالته يصبو نحوها فتزيّنت ... تؤمّل أن يختار منها ملاعبا
ولعل فى ذلك ما يدل على قدرة الشاعر التصويرية، وهى قدرة تلقانا فى غزله كما تلقانا فى مديحه، على نحو ما نقرأ فى قوله يصف بعض ليالى أنسه مع منى قلبه:
وليال كأنهن أمان ... من زمان كأنه أحلام
وكأن الأوقات فيها كئوس ... دائرات وأنسهنّ مدام
(١) الذّرا: الكنف والظل.