مما جعل التعلم فى موريتانيا منذ القرن الحادى عشر الهجرى-وربما قبله-عاما فى البلدان والقبائل جميعها بحيث يقول الشنقيطى:«لا يوجد من بين قبائل الزوايا ذكر أو أنثى إلا يقرأ أو يكتب، وإن وجد فى قبيلة غير ذلك فإنه نادر بحيث لا يوجد فى المائة أكثر من واحد على تقدير وجوده». وكأن الأمية تلاشت نهائيا فى قبائل الزوايا، وهى إن لم تنحسر فى القبائل الموريتانية الأخرى نهائيا فإنها-هى والبلدان الموريتانية-كانت تسارع إلى التعلم، يدل على ذلك فى مدينة ولاته مثلا أنها كانت مركزا كبيرا من مراكز الثقافة العربية وأن علماءها كانوا كثيرين كثرة مفرطة، وأخذت شنقيط وغيرها من مدن موريتانيا تزاحمها فى هذا المركز أو فى هذه المكانة.
ولعل فيما ذكرنا ما يدل بوضوح على أن التعرب فى موريتانيا كان آخذا فى النمو السريع منذ القرن الحادى عشر الهجرى، بفضل من نزل فيها من قبائل حسان وما بثّوا فيها من الاستعداد للتعرب، وبفضل إكباب أهلها على التعلم، بحيث أصبح فيها كثرة من العلماء فى كل علم وكثرة مماثلة من شعراء الفصحى، بل حتى يخيّل إليك كأن الموريتانيين جميعا كانوا شعراء.
٢ -
شعراء المديح
أكثر من يوجّه إليهم المديح فى موريتانيا السادة والشيوخ، إذ يشكر الشاعر من يقدم إليه معروفا أو صنيعا مثنيا عليه ومادحا، ويمدح التلاميذ شيوخهم مصورين ما يتحلون به من علم وخلق رفيعين، كما يمدح الشيوخ زملاءهم منوهين بتعمقهم فى العلوم وخاصة العلوم الإسلامية، وبأخلاقيتهم المثالية الرفيعة، وكثيرا ما ينوه الشاعر بشعر زميله وتفوقه فيه، وقد يمدحون قبيلة ذاكرين فضائلها، وقد يمدحون أحد سلاطين الدولة العلوية فى المغرب الأقصى. ونعرض أطرافا من مدائحهم، فمن ذلك مدح المأمون اليعقوبى المتوفى سنة ١٢٣٨ هـ/١٨٢٣ م للمجيدرى بن حبيب الله وكان من أعلام العلماء فى موريتانيا كما كان شاعرا، واتصل بالسلطان المغربى محمد بن عبد الله (١١٧١ هـ/١٧٥٧ م-١٢٠٤ هـ/١٧٨٩ م) ونال حظوة عنده، وحين رحل إلى الحج أكرمه حاكم مصر، وفى السلطان محمد يقول مشيرا إلى منزلته منه: وكان يباحثه فى كثير من الأفكار العلمية ويحمد له آراءه، كما أشار إلى حملة طائفة من معاصريه الموريتانيين عليه لإنكاره علم المنطق الأرسطاطاليسى والنهى عن دراسته (١):
(١) الشعر والشعراء فى موريتانيا للدكتور محمد المختار ص ٢٣٣.