للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طحنتهم طحن الرّحا فإذا الإن‍ ... سان والدهر صخرة وزجاج

فالناس جميعا يطحنون طحن الرحا، بل لكأن الدهر صخرة، وهو يطحنهم بل يفتتهم كأنهم زجاج لا يعاد له سبك.

محمد (١) بن أبى الحسين

هو أبو عبد الله محمد بن أبى الحسين العنسى كان أحد الرجالات دهاء وذكاء، وقربه منه أبو زكريا مؤسس الدولة الحفصية وابنه المستنصر. حتى كان كبير رجالاتهم ووزرائهم، وكان متفننا فى ضروب العلوم ومتعمقا فى اللغة، وله معجم رتب فيه محكم ابن سيدة على نهج الصحاح للجوهرى بحسب أواخر الكلم، واختصره فى معجم سماه الخلاصة. وكان مع ذلك سيوسا يحسن تدبير الدولة الحفصية ويقود جيوشها فى المعارك الحربية، وما زال المستنصر حفيّا به إلى أن توفى سنة ٦٧١ هـ‍/١٢٧٣ م. وكان شاعرا مجيدا. وكان أبو زكريا يقرّب منه شيوخ القبائل ومن بينهم عنان بن جابر زعيم عشائر مرداس من قبيلة بنى سليم النازلين فى قابس، وكانت له مكانة كبيرة عند أبى زكريا وصلات وعوائد. ويبدو أنه ظن به وبعشائر المرداسية بعض الظنون فأوقع بينها وبين قبيلة علاق ونشبت بينهما معارك. وتنبّه عنان بن جابر لصنيعه، فغضب غضبا شديدا، ورحل مع عشائره إلى بنى هلال فى الجزائر أو المغرب الأوسط، وعرف أبو زكريا خطأه فسأل وزيره ابن أبى لح ن أن يكتب إليه مسترضيا، وكان مما تبادل معه ابن أبى الحسين قصيدتان رائيتان، وابن أبى الحسين فى قصيدته يعاتبه فى شئ من اللين حينا وفى شئ من الجفاء حينا آخر، لعله يعود إلى صوابه ويرجع إلى موطنه، وله يقول مستطردا من التشبيب إلى عتابه عتابا رفيقا:

فدونكم يا للرّجال تحيّة ... يخصّ بها عنّى عنان بن جابر

فتى ما دعته زلّة فأجابها ... فكيف طوى كشحا على نفس غادر (٢)

وقد كان بينى-يا عنان-وبينكم ... بواطن صنّاها بحفظ الظواهر

وفى كل عام كان للجيش وقعة ... نجرّ بها أذيالنا جرّ سادر (٣)

تظلّلنا الرايات وهى خوافق ... على كلّ رئبال بخفّان خادر (٤)


(١) انظر فى ترجمة محمد بن أبى الحسين القسم الثالث من كتاب ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية ص ٧٥ وكذلك كتاب المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١٩٩ ومنهما نقتطف بعض أشعار ابن أبى الحسين.
(٢) طوى كشحا: أضمر نية.
(٣) سادر: لا يبالى بشئ.
(٤) الرئبال: الأسد والشجاع الجريء. خفان: مأسدة. خادر: مقيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>