عرفت الجزيرة العربية كل نحل التشيع الأساسية، وهى الزيدية والإسماعيلية والإمامية والكيسانية، وأطولها عمرا وأكثرها بقاء وأوسعها انتشارا نحلة الزيدية أتباع زيد بن على زين العابدين بن الحسين الذى ثار بالكوفة على هشام بن عبد الملك سنة ١٢٢ وقتل وصلب، وكان يرى أن الإمامة مقصورة على أبناء السيدة فاطمة، ولا مانع من أن يكونوا من أبناء الحسن أو الحسين، وكان يجوّز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وبذلك جوّز إمامة أبى بكر وعمر مع وجود على بن أبى طالب لمصلحة رآها الصحابة وقاعدة دينية اتبعوها. وخالف بذلك جميع مذاهب الشيعة ونحلهم، فكانت نحلته معتدلة، لا تؤمن بفكرة النص على الإمام، ولا بأن وحيا نزل يعيّن الأئمة. وكان يشترط فى الإمام أربعة شروط: العلم والزهد والشجاعة والسخاء، وهو لا يكون إماما إلا إذا ثار على الخليفة فى عصره وطالب بالخلافة، والإمامة بذلك عند الزيدية لا تعرف فكرة الإمام المستور مثل الإسماعيلية ولا فكرة الإمام المختفى مثل الاثنى عشرية والكيسانية.
وكل من ثار على العباسيين من العلويين وحمل السيف ضدهم فى القرنين الثانى والثالث للهجرة كان من هذه الفرقة، وفى مقدمتهم محمد بن عبد الله «النفس الزكية» الذى أعلن ثورته فى المدينة على المنصور العباسى سنة ١٤٥ وكان قد أرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة، فاستثار أهلها، وهبّوا معه ثائرين، وقضى المنصور على هذه الثورة. وظلت ثورات الزيديين بعد ذلك لا تهدأ إذ يخرج الحسين بن على الحسنى فى مكة والحجاز، ويهزم هو ومن معه لعصر الهادى سنة ١٦٩ فى مكان يقال له «فخّ» ويفرّ خاله إدريس بن عبد الله إلى فاس ويؤسس بها دولة الأدارسة. ويفرّ أخوه يحيى إلى خراسان ويقبض عليه، ويلقى به فى غياهب السجون حتى موته. ويثور محمد بن إبراهيم الحسنى المعروف بابن طباطبا فى الكوفة لعهد المأمون، ويقضى على ثورته. وينشط الزيديون فى طبرستان
(١) انظر فى التشيع ونحله مقالات الإسلاميين للأشعرى والفرق بين الفرق للبغدادى والملل والنحل للشهرستانى وعقائد الشيعة الإمامية لابن بابويه القمى وفرق الشيعة للنوبختى والتبصير فى الدين للإسفرايينى وفضائح الباطنية للغزالى ورسالة افتتاح الدعوة للقاضى النعمان بن محمد تحقيق د. وداد القاضى (طبع بيروت) ومقدمة ابن خلدون وفجر الإسلام والجزء الثالث من ضحى الإسلام لأحمد أمين والعقيدة والشريعة فى الإسلام لجولد تسيهر.