للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنصف الثانى من القرن الثالث، وقد صورنا نشاطهم هناك فى الجزء الرابع من هذه السلسلة الخاص بالعصر العباسى الثانى.

وأكبر نشاط للزيدية إنما كان فى اليمن والحجاز، أما اليمن فقد أسس فيها إمامة الزيدية الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم الملقب بالهادى إلى الحق، واتخذ مقرا له-كما مرّ بنا- «صعدة» فى الجبال الشمالية باليمن سنة ٢٨٤ وتوالى بعده فى صعدة الأئمة من أبنائه، حتى سنة ٤٣٧ إذ تولى الإمارة أبو الفتح الديلمى الحسنى كما مرّ بنا، ووليها بعده أصحاب المخلاف السليمانى، وتعود إلى الأسرة الرّسّية: أسرة الإمام الهادى إلى الحق وتظل فى أبناء المتوكل على الله الرسىّ، كما أسلفنا. وتمر أوقات رخاء على هذه الإمارة الزيدية، فتتسع رقعتها وتستولى على صنعاء أحيانا. ولا يزال أئمتها صامدين طوال أزمنة الأيوبيين والرسوليين والطاهريين، ثم يصبحون وحدهم وجها لوجه أمام العثمانيين، ويستخلصون منهم اليمن على نحو ما مرّ بنا. أما الحجاز فكان مركز الزيديين فيه مكة، وظلت إمارتهم قائمة فيها منذ أواسط القرن الرابع الهجرى حتى العصر الحديث، وإن أخذت تلك الإمارة فى التضعضع والضعف منذ استيلاء العثمانيين على الحجاز ومدينتيه فى القرن العاشر الهجرى.

ومرّ بنا فى الجزء الخاص بالعصر العباسى الثانى حديث مفصل عن نحلة الإسماعيلية وأن أصحاب هذه النحلة ينسبون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، وكانت قد أدركته المنية فى حياة أبيه، فقالوا إن الإمامة انتقلت منه إلى ابنه، لأنها-فى رأيهم-تتوارث فى الابن الأكبر حتى لو توفى قبل أبيه كما حدث لإسماعيل. ويخلفه-فى عقيدتهم-ابنه محمد، ويخلف محمدا ثلاثة أئمة مستورون جاء فى إثرهم عبيد الله المهدى أول الخلفاء الفاطميين ومؤسس خلافتهم، وتلقيبه بالمهدى يشير إلى عقيدتهم فى المهدى المنتظر. وعرضنا فى العصر العباسى الثانى تفصيلا لتلك النحلة وأهم مبادئها وأن الذى نظّمها وكوّن حولها جمعية سرية عبد الله بن ميمون القداح، وكان ينزل فى سلمية بقرب اللاذقية، واتخذ له دعاة من أهمهم شخص يسمى حمدانا ويلقّب بقرمط، وقد أرسل به إلى الكوفة وسوادها، وإليه ينسب القرامطة، وكان يدعو فى جماعته إلى الأخذ بنظام الألفة، وهى الشركة فى الأموال. وزعم، وزعم معه القرامطة، كما يقول البغدادى «أن الأنبياء كانوا أصحاب نواميس ومخاريق أحبّوا الزعامة على العامة، فخدعوهم بنيرنجات (ضروب من السحر) واستعبدوهم بشرائعهم» وقالوا: «هل الجنة إلا هذه الدنيا ونعيمها، وهل النار وعذابها إلا ما فيه أصحاب الشرائع من التعب والنصب فى الصلاة والصيام والحج

<<  <  ج: ص:  >  >>