فمن لليتامى والأرامل بعده ... يقوم بإكرام عليهم وإعزاز
مضى ملكه المحروس من عيب عائب ... ومن عبث الزّارى ومن عنت الرّازى
وكان الغازى مهيبا حازما راعيا لشعبه يكسو العارى ويطعم الجائع عالى الهمة حسن التدبير والسياسة، محبا للعلماء، مجزلا العطاء للشعراء، فحمى ملكه-كما يقول فتيان-من عيب العائب وزراية المزرى وعنت الرازى أو الممتحن المختبر.
ولفتيان بجانب مراثيه شكوى مريرة من الدهر والناس والحظ المقسوم كقوله:
علام تحرّكى والحظّ ساكن ... وما نهنهت فى طلب ولكن
أرى نذلا تقدّمه المساوى ... على حرّ تؤخّره المحاسن
وهى شكوى قديمة عند الشعراء حين يقعد بهم الحظ ولا ينالون ما يتمنون أو ما يرون أنهم جديرون به. ويبلغ بهم ذلك أن يقولوا ما يقوله فتيان من أن لا فائدة فى الحركة وأن المساوى تقدم أصحابها بينما تتأخر المحاسن بأهلها وهو بعد فى الشكوى وإغراق فى التشاؤم.
مصطفى (١) البابىّ
هو مصطفى بن عبد الملك-وقيل عثمان-البابى، ولد بالباب إحدى قرى حلب فى القرن الحادى عشر الهجرى أيام العثمانيين، ونشأ بحلب وتتلمذ على شيوخها وأدبائها، وتركها إلى دمشق سنة ١٠٥١ للهجرة وأقام بها مدة يأخذ عن أدبائها وشيوخها، ورحل إلى إستانبول وأفاد من علمائها وعيّن قاضيا لطرابلس وتنقل قاضيا فى بلدان الدولة العثمانية بالعراق والحجاز فى المدينة المنورة، وتوفى بمكة فى أثناء حجه سنة ١٠٩١.
وكان البابى شاعرا مجيدا، ويشغل المديح أكثر ديوانه على عادة الشعراء فى تلك الحقب، ويتخلل المديح أسراب من الشكوى. وقد يفرد للشكوى بعض القصائد، من ذلك قوله من قصيدة استهلها محزونا لتحول عهد مية، ويقول إنه مازال يبكى الأطلال حتى بكته بدمعها إشفاقا عليه، ويلتفت إلى الدهر شاكيا.
(١) انظر فى مصطفى البابى وشعره نفحة الريحانة ٢/ ٤٣٣ وخلاصة الأثر ٤/ ٣٧٧. طبع ديوانه فى بيروت سنة ١٨٧٢ وطبع مع ديوان ابن الجزرى وفتح الله بن النحاس باسم العقود الدرية بتحقيق الطباخ.