أىّ ذنب نعاتب الدهر فيه ... وعتاب الأيام داء عضال
أنا ما بين فرقة تجمع السّق ... م وبعد تدنو به الآجال
وخطوب ألفتها يستعيذ ال ... خوف منها وتذعر الأهوال
وأمان تجاذب الدهر ذيل ال ... حظّ والدهر جاذب جدّال
همّة أرّقت جفون الأمانى ... بوعود للدهر فيها مطال
أتمنّى من الزمان وفاء ... ووفاء الزمان أمر مجال
يقول إن ذنوب الدهر عنده كثيرة فلا يدرى لكثرتها، أى ذنب يعاتبها فيه هل يعاتبها فى فرقة الأحباب أو فيما ينزله به من خطوب يستعيذ الخوف من شرها وتفزع الأهوال. وتلك أمانيه ما تزال تجاذب الدهر ذيل الحظ تريد أن تجذبه إليها والدهر أشد جذبا، بل إنه جدال يصرع من ينازعه، وفى صدره همة تؤرق جفون الأمانى بما تعرضه عليها من وعود ما يزال الدهر لا يفى بها، وكأن وفاءه أمر محال. ويقول من قصيدة يشكو فيها من الزمان:
صاحبىّ ابغيا لنا خارج العا ... لم دارا فبئس دار الزّحام
واصدقانى ألستما بين ليل ... ونهار مالى حليف ظلام
واستعيرا لمقلتى هجعة ع ... لّ منامى يعود لو فى منام
من أمور تقذى العيون وأخرى ... تصدع السمع مثل وخز السّهام
مشرب كلّه قذى سوّغته ... إلف هذى النفوس للأجسام
من أراد العيش الهنىّ فلا يع ... مل فكرا فالعيش عيش السّوام
وقد بلغ به ذم العالم وكل ما فيه من أناسى وغير أناسى أنه يود لو خرج من هذا العالم جميعه، ويتساءل أليس يوجد مع الليل نهار بل إنهما يتعاقبان فلماذا هو يعيش فى ليل مسهدا لا ينام ولا تغفل عينه، فهل يجد هجعة أو لحظة من نوم حتى ولو فى الخيال والمنام، وهيهات فإن الدنيا مليئة بما يقذى العيون ويصك الأسماع من آلام، حتى لكأنها مورد من غسلين أو زقوم، وكل ذلك بسبب الأجسام وما تطلب من متاع مادى. ويقول من أراد أن يعيش هنيئا فلا يفكر، فالعيش عيش الجهال ومن يشبهون السوام الراعية من الإبل. وكل ذلك تشاؤم شديد، والغريب أنه كانت فيه مع ذلك كله نزعة صوفية جعلته يمدح القطب الربانى عبد القادر الجيلانى صاحب الطريقة الجيلانيّة فضلا عما فى ديوانه من مدائح نبوية وتوسلات ربّانية.