كان الرقيق منتشرا فى كل مكان، فى القصور وفى الأكواخ وفى الصناعات وفى الزراعة، وكان كثيرا كثرة مفرطة، فمنه السندى ومنه الإفريقى الزنجى والحبشى والسودانى ومنه التركى والصقلبى، ومنه الصينى والخراسانى والأرمنى والبربرى، وكأنما كانت تجتمع فيه كل الأجناس. ومع أن الإسلام قصر الرق على من يؤخذ فى الحرب أسيرا كافرا، فقد مضى المسلمون-محاكين شعوب العالم القديم- يفسحون للتجارة فيه وجلبه من البلاد الأجنبية، وكأنهم لم يستطيعوا أن يبطلوا هذه العادة عند الأمم المغلوبة كما كان منتظرا، بل لقد شاركوهم فيها. ولم تلبث تجارة الرقيق فى ديار الإسلام أن أصبحت ذات شأن عظيم، حتى ليبنى لها فى كل مدينة كبيرة سوق خاصة يقوم على مراقبتها موظف يسمّى قيّم الرقيق.
ويذكر اليعقوبى أن سوق سامرّاء فى القرن الثالث الهجرى كانت مربّعة، وبها طرق متشعبة، وفيها الخمر والغرف والحوانيت (١).
ومعروف أن الإسلام عمل على تحرير الرقيق بوسائل شتى، إذ جعله فداء لأعظم الجنايات مثل القتل خطأ وأخفها مثل الحنث فى اليمين، وأباح للعبد حق التملك وأن يكاتب صاحبه على جزء من المال يدّخره من العمل، حتى إذا وفّاه ردّت إليه حريته. واستطاع كثير من الأرقاء المحرّرين أن يصلوا إلى أعظم المناصب فى الدولة، وكان من هؤلاء الأرقاء من يتمتعون بجاه عظيم مثل قواد الترك طوال العصر، غير أن جمهورا كبيرا منهم كان يعامل معاملة سيئة، وخاصة الزنوج الذين كانوا يقومون بأعمال الحرث والزراعة فى البصرة، مما جعلهم يثورون لعصر المعتمد-كما مرّ بنا-ثورة عارمة. ولا ريب فى أن هذه المعاملة السيئة تخالف روح الإسلام مخالفة صريحة، لا من حيث استرقاق الناس بالشراء لا بالحرب فقط، بل أيضا من حيث أخذهم بالعنف والعسف والظلم، فقد دعا القرآن