للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديث جميعا إلى الإحسان للأرقاء والبرّ بهم والمعاملة الكريمة على نحو ما يلقانا فى آية سورة النساء: {(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى}. . . {وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) وفى الحديث النبوى: «شر الناس من أكل وحده ومنع رفده (عطاءه) وضرب عبده»، وفيه أيضا:

«العبيد إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم»، وكانت الجارية بمجرد أن يستولدها سيدها تصبح أم ولده، وليس له حق بيعها، وابنها حر مثل أبيه، وبمجرد موت سيدها تصبح حرة. وفى مواضع كثيرة من القرآن والحديث نجد الدعوة قوية إلى تحرير العبيد، ولذلك كان كثيرا ما يوصى الرسول من ملوكهم بعتقهم بعد موتهم، ويروى أن المعتصم أوصى بعد موته بعتق ثمانية آلاف من مماليكه، ومثله كان يصنع الوزراء والكبراء من الأمة.

على كل حال كان الأرقاء كثيرين كثرة مفرطة، وكان أمم ما يقومون به فى المدن الخدمة، ويقول المسعودى إن الخدم كانوا عادة من السودان أو الصقالبة أو الروم أو الصين (١). ويبدو أن جمهورهم كانوا من الخصيان، ومع أن الإسلام حرّم الخصاء تحريما باتّا نجد الخصيان منتشرين فى العالم الإسلامى انتشارا واسعا. وكانوا يخصون خارج حدود الدولة الإسلامية: فى بيزنطة وأواسط آسيا، ثم يجلبون ويباعون فى أسواق الرقيق ببغداد وغير بغداد، ويتردّد ذكرهم كثيرا منذ أواخر القرن الثانى الهجرى. «وكانت انتشارهم باعثا على أن تلبس بعض الجوارى المسمّين بالغلاميات ملابسهم، وترتبط بذلك حادثة مشهورة فإن زبيدة أم الأمين حين رأته يستكثر من الخصيان اتخذت الجوارى المقدودات الحسان الوجوه، وعممت رءوسهن، وجعلت لهن الطرر والأصداغ والأقفية (صور من تجميل أوضاع الشعر على الرأس تشبها بالفتيان) وألبستهمنّ الأنبية والقراطق والمناطق (ملابس الفتيان) فماست قدودهن وبرزت أردافهن، وبعثت بهن إلى ابنها الأمين، فاختلفن بين يديه، فاستحسنهن، واجتذبن قلبه إليهن وأبرزهن للناس» (٢) فقلّده كثير من أهل بغداد، وظل ذلك من بعده حتى عصر الخليفة القاهر المتوفى


(١) مروج الذهب ٤/ ١٥٨.
(٢) مروج الذهب ٤/ ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>