للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة ٣٢٢ إذ يروى بعض الإخباريين أنه رأى فى قصره جوارى يلبسن القراطق والأقبية والطرر ومناطق الذهب والفضة (١).

وكثرة الخصيان هى التى هيّأت لظهور هؤلاء الغلاميات، ويكفى أن نذكر ما قاله المؤرخون من أنه كان فى قصر المقتدر أحد عشر ألف غلام خصىّ (٢). ومنذ أواسط القرن الثالث أخذ الناس-احتراما لمن صارت إليهم مقاليد الأمور منهم، وخاصة من الترك-يسمون الخصىّ الخادم والأستاذ (٣). ولم يكونوا يستطيعون التعرض للخصيان البيض خوفا من الترك وبطشهم، أما السود فكانت العامة تكثر من الصياح بهم: يا عقيق (٤). ويروى المسعودى أن الخدم السود جأروا بالشكوى إلى المعتضد لما يلحقهم فى الأزقة والشوارع والدروب وسائر الطرق من الصغير والكبير من العوام إذ كانوا جميعا يصيحون بهم: «يا عقيق صبّ ماء واطرح دقيق يا غاق (صوت الغراب) يا طويل الساق» (٥). وكان المضحكون الهزليون فى الطرق كثيرا ما يحاكون الخدم المختلفين وأصواتهم (٦).

وكانت الإماء والجوارى فى الدور والقصور أكثر من الخصيان وأرقاء الرجال، إذ أباح الإسلام للمسلم أن يتملك ما شاء من الجوارى والإماء، وكثير من الرجال كانوا يفضلونهن على الخرائر، لأنهن كن من أجناس وأشكال مختلفة، ولم يكن بينهن وبين الرجال حوائل الحجاب مثل الحرائر اللائى يقترنون بهن وهم لا يعرفون من أمرهن شيئا، بخلاف الجارية فإنها كانت معرّضة لهم فى دور النخّاسين، فكانوا يختارونها بحسب مشيئتهم وموقعها فى أنفسهم، بخلاف الحرائر فقد كان الحجاب يحول بينهم وبين التعرف عليهن، وكانوا يضطرّون لاتخاذ دلاّلات يصفونهن لهم، وقلما يتطابق الوصف مع الحقيقة. وكان بين الجوارى المعروضات للبيع دائما كثير من الفاتنات الفارسيات والخراسانيات والأرمنيات والتركيات والروميات، فكنّ يستأثرن بقلوب الرجال. ومن أجل ذلك لم يكونوا يعددون زوجاتهم، فقد كفاهم اتخاذ الجوارى والإماء هذا التعدد، وأكبّوا عليه إكبابا.


(١) مروج الذهب ٤/ ٢٢٧.
(٢) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٣٤.
(٣) مروج الذهب ٤/ ١٧٨، ١٨٠.
(٤) طبرى ١٠/ ٥٣.
(٥) مروج الذهب ٤/ ١٧١.
(٦) مروج الذهب ٤/ ١٦٣، ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>