للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان إمامهم فى ذلك الخلفاء فإنهم أكثروا من الجوارى كثرة مفرطة، حتى ليروى أنه كان لدى المتوكل منهن أربعة آلاف جارية (١)، وهى رواية مبالغ فيها، غير أنها تدل على ما ثبت لدى الناس من كثرة جواريه، ويقال إنه لما أفضت إليه الخلافة أهداه عبيد الله بن طاهر هدية فيها مائتا وصيف ووصيفة، وكان فى الهدية محبوبة (٢). وكانت شاعرة مغنية فوقعت عنده أعظم موقع واقترن بها، ووفت له بعد موته وفاء منقطع النظير. وظلت هذه السبول تتدافع إلى قصر الخلافة طوال العصر من كل قطر، ويروى أن زيادة الله بن الأغلب أهدى المكتفى حين ولى الخلافة مائة وخمسين جارية (٣). ولعلنا لا نعجب بعد ذلك إذا عرفنا أن أمهات الخلفاء فى العصر كنّ من الجوارى، وخاصة جوارى الترك والروم، وكنّ يتدخلن فى شئون الحكم، فكل جارية تحاول أن تقيم فى المناصب العليا أقرباءها والمقربين منها، على نحو ما كانت تصنع أم المقتدر بأخرة من العصر، حتى فسد الحكم لعهده فسادا لا يمكن إصلاحه، وفسحت لأخيها الرومى المسمى غريبا فى النفوذ والسلطان، فزاد الطين بلة، وزاد بلة ثانية بما أتاحت لقهرمانتها أم موسى من إسنادها نقابة بنى هاشم لأخيها، وأتاحت لقهرمانتها الثانية ثمل-كما مر بنا فى غير هذا الموضع-أن تقعد فى الرصافة كل يوم جمعة للنظر فى المظالم.

وكانت الجارية الجميلة تباع بألف دينار وأكثر، وكان الناس يغدون ويروحون إلى سوق الرقيق ودور النخاسين يتفرّجون على الوافدات الجديدات من الجوارى الفاتنات، وكان النخاسون يجمعون منهن كثيرات، حتى لقد كانت رءوس أموالهم تبلغ الألوف، ويقول ابن المعتز عن نخّاس منهم يسمى أحمد بن الحارث إنه كان يجتمع أحيانا عنده من الرقيق ما يبلغ مائة ألف دينار (٤)، ويذكر أبو الفرج الأصبهانى عن نخاس يسمى أبا عمير أنه كان له جوار لهن ظرف وأدب، وكان ابن البواب الشاعر يألف جارية منهن يقال لها عبادة ويكثر غشيان منزل أبى عمير من أجلها فأصابه ضيق شديد، فانقطع عن زيارتها ثم نازعته نفسه إلى


(١) مروج الذهب ٤/ ٤٠.
(٢) أغانى (ساسى) ١٩/ ١٣٢ ونساء الخلفاء لابن الساعى ص ٩٢.
(٣) مروج الذهب ٤/ ٢٠٠.
(٤) طبقات الشعراء لابن المعتز (طبع دار المعارف) ص ٤٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>