العراق حيث الخوارج والشيعة. ولم تكد هذه الفتن تهدأ حتى تحرك العباسيون براياتهم السود من خراسان، وأخذت المدن الإيرانية تسقط فى أيديهم ودخلوا العراق واستولوا على الكوفة ومضوا إلى شمالى العراق وهزموا مروان عند الزاب الأكبر، فأخلى الجزيرة واتجه إلى الشام وتخلى عنه أهلها، فالتجأ إلى مصر، ولقى مصرعه بها فى بوصير. وكان السفاح قد أعلن الخلافة العباسية فى الكوفة وطورد الأمويون فى كل مكان وأبيدوا بوحشية، ونبشت قبور خلفائهم-عدا معاوية وعمر بن عبد العزيز-وأذريت عظامهم ورفاتهم فى الهواء، ونجا من هذا البطش والنكال عبد الرحمن الداخل أحد حفدة هشام بن عبد الملك، إذ فرّ إلى الأندلس وأسس بها دولة أموية جديدة ظلت نحو ثلاثة قرون.
[(ج) زمن الولاة العباسيين]
فقدت الشام-بسقوط الدولة الأموية-السيادة المطلقة فى الإسلام وفقدها العرب معهم تدريجا. إذ أخذ الاعاجم يشغلون المناصب العليا فى الدولة العباسية، وكان العباسيون يعرفون أن دولتهم إنما قامت على أسنة رماحهم، فقربوهم منهم وفسحوا لهم فى الوزارة وغير الوزارة. وكان لذلك صداه السيئ فى نفوس أهل الشام، مما هيّأ بعد نحو عشرين عاما لثورة القيسية فى قنّسربن بزعامة أموى هو أبو محمد السفيانى، وسرعان ما قضى عليها العباسيون وفرّ السفيانى إلى الحجاز ولقى حتفه هناك، ولم يصدق أتباعه وفاته فظلوا يترقبون عودته ليجدد للشام مجده الغابر.
ونمضى إلى سنة ١٩٥ فى عهد الخليفة الأمين فيظهر فى دمشق سفيانى جديد هو على بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، ويطرد عامل الأمين عن دمشق، ويبايعه الدمشقيون بالخلافة. وشغل عنه الأمين بحرب أخيه المأمون مدة. ولم يلبث أن قضى على ثورته أعوان الأمين واختفى بالمزّة بالقرب من دمشق وأقام بها أياما ومات. وفى سنة ٢٢٧ لعهد المعتصم ثار بفلسطين المبرقع أبو حرب اليمانى وزعم أنه السفيانى المنتظر ودعا أولا إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى أن قويت شوكته فادّعى النبوة، وتبعه قوم من فلاحى القرى وقوى أمره وسار إليه أحد قواد المعتصم فى ألف فارس وأسره وحبسه ومات فى حبسه.
وكان أول من تولى الشام للسفاح عمه عبد الله بن على بعد قضائه على مروان بن محمد فى موقعة الزاب حتى إذا فرّ مروان إلى الشام مضى يتبعه إلى دمشق ففتحها وهدم سورها وقتل من الأمويين ثمانين رجلا فى مذبحة مشهورة ببلدة الرّملة. وولاه السفاح دمشق، ولما ولى الخلافة بعده