للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو جعفر المنصور، خرج عليه عبد الله ودعا لنفسه فهزمه أبو مسلم الخراسانى، وحبسه المنصور ومات فى حبسه. وتولى أمر الشام ودمشق بعد عبد الله كثير من الولاة وكان بعضهم من الأعاجم مؤيدى الدولة. واتبع العباسيون سياسة غير حكيمة أن لا يبقوا واليا لهم فى بلد إلا مدة قصيرة.

وكان هذا سببا فى أن لا يعنى الولاة بالنهوض ببلدانهم من جهة، كما كان سببا فى أن يحاولوا الإثراء سريعا قبل أن يعزلوا من مناصبهم، مما كان يدفعهم فى كثير من الأحيان إلى الزيادة فى الضرائب، كما كان يدفع الناس إلى الثورة عليهم، وسرعان ما كان يقضى على ثوراتهم كما حدث فى حلب سنة ١٦٢ وفى حمص سنة ١٩٤.

ويبدو أن القبائل القيسية واليمنية لم تتعظ بما أصابها من فقدان موطنها لاستقلاله الذاتى، فقد اندلعت بينهما نار العصبية القديمة وأخذوا يمدونها بحطب جزل طوال العقد الثامن من القرن الثانى، واغتنمت السوقة بدمشق الفرصة فنهبت ما استطاعت أيديها نهبه، وتطاحن الفريقان وسفكت دماء المئات منهما. وأخيرا أرسل اليهما هرون الرشيد وزيره جعفرا البرمكى، فأطفأ نار العصبية المحتدمة بين الطرفين بتجريدهما من السلاح وعاد إلى دمشق الهدوء والسلام. وفى سنة ٢٢٧ يولى المعتصم موسى بن إبراهيم الرافقى دمشق فتثور عليه القيسية ويقتل منها خمسة عشر نفسا، فتشتد ثورتها وتحاصر دمشق، ويتوفى المعتصم فيرسل الواثق خلفا له أحد قواده فيهزم القيسية ويقتل منها ألفا وخمسمائة، وتهدأ الثورة، ويعود الأمن إلى دمشق.

وكان الخلفاء العباسيون يرحلون إلى الشام أحيانا، لزيارة بيت المقدس أو للحج منه، وأكثر رحلاتهم إنما كانت لحرب البيزنطيين، والسقوط عليهم من ثغوره. ومما يذكر لهم أنهم أقاموا فى حدوده الشمالية كثيرا من الثغور للاندفاع منها إلى آسيا الصغرى. وكانت جيوشهم ماتنى ذاهبة إلى شمالى الشام آيبة منه، مما عاد عليه بكثير من الرخاء وانتعاش التجارة. واشتهر المهدى والرشيد بنضالهما لبيزنطة وما كان من فتح هرقلة وضرب البيزنطيين ضربات قاصمة. وأخذ المأمون منذ سنة ٢١٥ يقود حملات عنيفة لمدة ثلاث سنوات متوالية استولى فى أثنائها على لؤلؤة أقوى وأمنع الحصون البيزنطية بالقرب من طرسوس، مما اضطر تيوفيل إمبراطور بيزنطة إلى التماس الصلح.

وفى سنة ٢٢٣ دق المعتصم وقواده أعناق البيزنطيين دقّا وأوطئوهم ذلاّ وصغارا إذ هدموا أنقرة وحرقوا عمّورية أمنع بلادهم فى آسيا الصغرى. وظل قواده من أمثال محمد بن يوسف الثغرى وابنه يوسف يكيلون لهم ضربات ساحقة. ويظل غزو البيزنطيين صيفا فى أيام الخليفة المتوكل، ويغيرون على بعض الثغور فى شمالى الشام. وينكل بهم على بن يحيى الأرمنى والفارس المغوار عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>