للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - الرسائل الشخصية]

مرّ بنا أن الشام هى التى وضعت التقاليد الأولى للكتابة الديوانية بحكم أتخاذ الأمويين دمشق حاضرة للدولة الاسلامية الضخمة الممتدة من أواسط آسيا إلى مشارف البرانس، وتهيأ لها حينئذ من كبار الكتاب من لا تزال أسماؤهم تتردد على الألسنة مثل سالم مولى هشام، وعبد الحميد الكاتب وله رسائل شخصية بديعة (١) تتداولها كتب الأدب تتميز بأسلوبها الجزل الناصع مع السلاسة والعذوبة ومع ما عرف به من إحكام الترادف حتى يروع الآذان كما يروع الأذهان. ومن البلغاء الذين اشتهروا بروعة كتاباتهم فى القرن الثانى الهجرى وأوائل الثالث العتّابى كلثوم بن عمرو، وله بدوره-رسائل شخصية (٢) تموج بالتصاوير ودقائق الأفكار مع حسن التعبير وجمال الصياغة. وكان السجع منذ القرن الرابع أخذ يشيع فى الرسائل الديوانية، فشاع فى الرسائل الشخصية لسبب طبيعى هو أن أكثر كتابها كانوا من كتاب الدواوين، وقد أصبح السجع ديدنهم ولغتهم فى كتاباتهم فعمّموه فى رسائلهم الشخصية. ولعل كاتبا فى بلاط سيف الدولة الحمدانى لم يشتهر بالكتابة كما اشتهر أبو الفرج عبد (٣) الواحد بن نصر المعروف بلقبه «الببّغاء» المتوفى سنة ٣٩٨ للهجرة وكان شاعرا مبدعا وكاتبا بارعا، وفى كتاباته يقول الثعالبى «نثره مستوف أقسام العذوبة وشروط الحلاوة والسهولة» ويتضح ذلك فيما روى الثعالبى من رسائله كقوله مثنيا، مطريا.

«شهاب ذكاء، وطود وفاء، وكعبة فضل، وغمامة بذل، وحسام حق، ولسان صدق، فالليالى بأفعاله مشرقة، والأقدار لخوفه مطرقة، تحمده أولياؤه، وتشهد له بالفضل أعداؤه».

وقوله: «من كان جميل رأى سيدنا عدّته، أمن من الدهر شدته، ومن فزع إلى إحسانه، استظهر على زمانه، ومن توجه برغبته إليه، لم تقدم الأيام عليه».


(١) انظر جمهرة رسائل العرب لأحمد زكى صفوت (طبع ونشر مكتبة مصطفى البابى الحلبى) ٢/ ٤٣٤ وفى مواضع متفرقة.
(٢) جمهرة رسائل العرب ٣/ ٤٧٤ وما بعدها.
(٣) انظر ترجمته ورسائله فى اليتيمة ١/ ٢٣٦ وما بعدها، وراجع ترجمته فى تاريخ بغداد ١١/ ١١ والمنتظم ٧/ ٢٤١ وعبر الذهبى ٣/ ٦٨ وابن خلكان ٣/ ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>