للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبيات فلا يريد أبيات الشعر إنما يريد الدور والمساكن. واختار أمهات العصف، وهو ورق الشجر والزرع مما تأكله الأنعام ليجلب كلمة الأب مورّيا بها فهو لا يريد الأبّ الحقيقى كما يظن من ذكر الأمهات، وإنما يريد الأب بمعنى العشب أخذا من قوله تعالى: {وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ} واختار مع حلاوة اللقاء مرارة النوى، وهو لا يريد نوى التمر الحقيقى وإنما يريد النوى بمعنى البعد لأن وفاء النيل وفيضانه يكون من عام إلى عام، وبالمثل يمكن أن يكون فى كلمة الهوى تورية لأن لها معنيين: العشق والريح، وأيضا فى كلمة الجوارى تورية إذ لا يريد الجوارى الحقيقيات مع ما يوشح لها من ذكر الخصور وإنما يريد السفن الجارية. وكان تعيين كبار موظفى الدولة من وزراء وقضاة وغير قضاة يصحبه تقليد بتعيينهم فى شكل رسالة مطولة يكتبها منشئ الديوان، ولابن حجة تقليد طويل كتبه لجلال الدين البلقينى الشافعى بقضاء القضاة وفيه يقول مصورا علمه:

«هو أبو العلماء الذى ولّد من الأم أفراحهم، وأبو المهمات الذى شهر من العدّة الكاملة فى ميدان الفرسان سلاحهم، وإليه انتهت الغاية فإنه ما برح يأتينا فى وجيز تقريبه بالعجاب، ويغنينا عن موضح القشيرى فإنه يغذينا فى إبانته باللباب. . وقد وقع التمويه فى الفروق بينه وبين الغير عند أهل التبصرة والهداية، وهو نهاية المطلب وعيون المسائل وتاج رءوسها والمذهب الذى تهذيبه فى أدب القاضى كفاية، وهو البحر الذى ما دخلنا بسيطه المبسوط إلا قالت التورية إنه فى البسيط كامل، ولا نظرنا إلى حليته الجلالية إلا غنينا عن المصباح بنوره الشامل».

والقطعة مليئة بتوريات عن أمهات الفقه الشافعى، وقد بدأها فى السجعة الأولى بذكر كتاب الأم للإمام الشافعى، وتلاه بالإشارة إلى كتاب الغاية فى اختصار النهاية للعز بن عبد السلام، والنهاية هى نهاية المطلب فى دراسة المذهب لإمام الحرمين الجوينى، وأشار معه فى نفس السجعة إلى وجيز الإمام الغزالى وتقريب القفّال الشاشى، ثم ذكر اللّباب وهو لباب الألباب للآمدى فى علم الأصول، وأضاف إليه الإبانة مشيرا إلى كتاب الإبانة فى فقه الشافعية للفورانى، ولم يلبث أن أشار إلى التبصرة لأبى إسحاق الشيرازى ونهاية المطلب المذكورة آنفا والمذهب لأبى شامة المقدسى والتهذيب للبغوى وأدب القاضى للماوردى والبسيط للغزالى والشامل لإمام الحرمين الجوينى. وقد بلغ ابن حجة من دقة الصنعة أن من يقرأ الإشارة إلى هذه الكتب وغيرها مما جاء فى التقليد لا يتنبه إليها إلا بعد رويّة وتأمل فيما ابتغاه عنها من توريات.

<<  <  ج: ص:  >  >>