للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال، من ذلك اختصاره للصادح والباغم لابن الهبارية بإشارة من ابن البارزى سنة ٨١٣ كما ذكر فى الخزانة بباب إرسال المثل، وسمى مختصره تغريد الصادح وصدّره من نظمه بأبيات تقوم مقام الديباجة. وله كتب متعددة مذكورة فى كتاب البدر الطالع سقطت من يد الزمن. وله مقامة سنعرض لها فى غير هذا الموضع، وكان شاعرا، كما كان كاتبا، وأنشد فى الخزانة كثيرا من شعره، ويقول الشوكانى: «قد يأتى فى نظمه بما هو حسن وبما هو فى غاية الركة والتكلف. .

ونثره أحسن من نظمه». وفى الخزانة رسائل كثيرة له، وخاصة فى أبواب براعة الاستهلال والسجع وحسن الختام. وفى «ثمرات الأوراق» كما أسلفنا-بعض رسائله، وجمع ما أنشأه أولا بالشام ثم ما أنشأه فى عهد المؤيد ثم فى عهد الملوك المظفر والظاهر ططر والصالح فى كتاب سماه «قهوة الإنشاء» فى مجلدين، ومنه مخطوطة فى دار الكتب المصرية، وفى الدار أيضا كتاب له محفوظ بأسم تأهيل الغريب يشتمل على كثير من رسائله ومكاتباته مع الأدباء، ونقتطف قطعة من بشارة له بوفاء النيل كتبها سنة ٨١٩ عن الملك المؤيد شيخ:

«ونبدى لعلمه الكريم ظهور آية النيل الذى عاملنا الله فيه بالحسنى وزيادة، وأجراه لنا فى طرق الوفاء على أجمل عادة. . دقّ قفا السودان فالراية البيضاء من كل قلع (١) عليه، وقبّل ثغور الإسلام وأرشفها ريقه الحلو فمالت غصونها إليه. . وخضنّ مشتهى الروضة فى صدره وحنا عليها حنّو المرضعات على الفطيم:

وأرشفنا على ظمأ زلالا ... ألذّ من المدامة للنديم

وراق مديد بحره لما انتظمت عليه تلك الأبيات، وسقى الأرض سلافته الخمرية فخدمته بحلو النبات، وأدخله إلى جنات النخيل والأعناب فالق النّوى والحبّ، فأرضع فى أحشاء الأرض جنين النبت وأحيا له أمهات العصف والأبّ. . ونسى الزهر بحلاوة لقائه مرارة النّوى، وهامت به مخدّرات (٢) الأشجار فأرخت ضفائر فروعها عليه من شدة الهوى. . ودارت دوائره على وجنات الدهر عاطفة، وثقلت أرداف أمواجه على خصور الجوارى واضطربت كالخائفة».

والسجع فيه عذوبة ودلالة واضحة على طواعيه قوافيه لابن حجة، وأنه كان كاتبا مجيدا إن لم يكن بارعا، وأطال السجعات ليحمّلها ما يريد من التوريات، وهى كثيرة فى القطعة، وما نمضى فيها حتى يذكر مديد النيل أو امتداده والمديد من بحور الشعر، يستغل ذلك فى التورية بكلمة


(١) يريد قلع السفن وشراعها
(٢) المخدّرات: النساء يلزمن بيوتهن احتجابا عن الرجال. والاستعارة واضحة

<<  <  ج: ص:  >  >>