لم يلبث عبد المؤمن بن على خليفة الموحدين بالمغرب الأقصى أن دخل بجاية سنة ٥٤٧ هـ/١١٥٢ م واصطحب يحيى معه إلى عاصمته مراكش، واتسع فى إكرامه. وبذلك انتهت دولة بنى حماد فى الجزائر، وكان حكامها يأخذون بأسباب من الحضارة، وكانوا بصيرين بشئون الحكم، وعاملوا رعاياهم معاملة حسنة، وأحدثوا فى القلعة وبجاية عاصمتيهما نهضة فى الآداب والعلوم والتحضر بلغت شأوا عظيما، وعنوا بالصناعة والزراعة والتجارة مع إفريقيا والسودان فى الجنوب ومع أوربا فى الشمال، وكان أسطولهم التجارى يمخر عباب البحر المتوسط إلى مدن إيطاليا والأندلس، وأقاموا له ببجاية دار صناعة بحرية كبرى تمده بالسفن، وقد عقدوا مع الدول البحرية الأوربية معاهدات تجارية. وبدون ريب كان لهجرة الأعراب البدو من بنى هلال واكتساحهم للزاب بإبلهم وخيلهم ورجلهم فى القرن الخامس الهجرى أثر غير قليل فى إفساد الزاب، وحدثت الطامة فى القرن السادس الهجرى إذ أخذوا يتقدمون إلى الأطلس التلى وجبال البابور وامتدوا شرقا حتى سهول بونة (عنابة) وأصبح بنو حماد وبجاية فى حاجة إلى من ينقذهم، وأنقذهم عبد المؤمن خليفة الموحدين فى مراكش. وكان يعرف خطورة الهلاليين على البلاد، فأدار معهم معركة حاسمة بالقرب من سطيف جنوبى بجاية ومزقهم تمزيقا وطارد فلولهم حتى تبسة جنوبى باغاية. وتعد هذه المعركة نهاية المعارك الكبرى للهلاليين فى الجزائر، وأخذوا بعدها يتأقلمون ويتغرّبون أو يصبحون جزءا من الشعب المغربى، وانتفع بهم عبد المؤمن فى حروبه بالأندلس وكذلك ابنه يوسف وحفيده يعقوب وخاصة فى معركة الأرك المشهورة. وكان نورمان صقلية قد استولوا على المهدية سنة ٥٤٣ وبالمثل على طرابلس وطلب أهلهما من عبد المؤمن النجدة، فسار سنة ٥٥٣ بجيش ضخم وأسطول كبير إليهم، وقلم فى الجزائر وإفريقية التونسية أظفار الأمراء المستبدين بالبلاد، وحاصر المهدية ثم طرابلس برا وبحرا سنة ٥٥٥ هـ/١١٦٠ م وفر النورمان خاسئين مدحورين، ويطبق فى الإقليمين التونسى والجزائرى ما اتخذه فى المغرب من التراتيب المخزنية فى إدارة الحكم، وظلت قائمة إلى نهاية الدولة الحفصية. وتظل الجزائر هادئة فى عهده وعهد ابنه يوسف الذى خلفه سنة ٥٥٨ هـ/١١٦٢ م وتوفى يوسف ويخلفه ابنه يعقوب
(١) انظر فى دولة الموحدين البيان المغرب لابن عذارى وكتاب المعجب للمراكشى والجزء الرابع من تاريخ ابن خلدون وكتاب المن بالإمامة لابن صاحب الصلاة وتاريخ الدولتين الموحدية والحفصية للزركشى وتاريخ الجزائر فى القديم والحديث لمبارك الميلى وعصر المرابطين والموحدين لمحمد عبد الله عنان.