أصبحت مصر ولاية تتبع الخلافة، وكان أول ولاتها عمرو بن العاص الفاتح لها، ولا يزال باقيا من آثاره فى القاهرة مسجده الذى يحمل اسمه والذى بناه فى الفسطاط: موضع معسكره فى حصاره لحصن بابليون وتسمى منطقته الآن باسم مصر القديمة. وحين تم له طرد الروم من الإسكندرية بنى بها مسجد الرحمة. وكان ذلك إبذانا باستيلاء الإسلام عليها كما استولى على مصر من جميع أطرافها. ويلى مصر فى عهد عثمان عبد الله بن سعد بن أبى سرح، وكان عمرو بن العاص قد تغلغل فى إفريقيا الشمالية فتبعه يتغلغل فيها، وفى سنة ٣٤ حاول الروم غزو الإسكندرية، فغزاهم فى البحر ودمر سفنهم، وتسمى الغزوة «ذات الصوارى» لكثرة ما اجتمع فيها من السفن. ثم كانت الفتنة أيام عثمان رضوان الله عليه، واختلف عليها ولاة لعلى رضى الله عنه، ووليها عمرو بن العاص لمعاوية حتى توفى سنة ٤٣ وفى أيامه أرسل عقبة بن نافع فتغلغل فى إفريقية، وكانت له فيها أيام ولاية عمرو بن العاص الأولى جولات بعيدة، وستصبح له فيما بعد حين يولّيه معاوية قيادة الفتوح فى المغرب جولات أكثر عمقا، يختط فيها مدينة القيروان بالقرب من تونس الحالية.
وتولّى مصر بعد عمرو بن العاص ابنه عبد الله أشهرا، ثم عزله معاوية وولى عليها عقبة بن عامر الجهنى، وأخذ الولاة فى أيام بنى أمية يتعاقبون عليها حتى بلغوا فى نحو تسعين عاما ثمانية وعشرين واليا، إذ اتّبع الأمويون فى ولاية مصر سنة تغيير الولاة، وهى سنة سيئة، إذ كان الوالى يقدم وهو يعلم أنه معزول عما قليل، فكانت لا تهمه شئون مصر بمقدار ما تهمه شئون نفسه والعمل على اكتناز الثروة الضخمة قبل أن يتسلم كتاب العزل. وربما كان خير وال أموى تولى مصر حينئذ عبد العزيز بن مروان، وقد امتدت ولايته من سنة ٦٥ حتى سنة ٨٦ واشتهر بما بنى فى حلوان من قصور وغرس من جنات وزروع وكان جوادا ممدّحا، وإليه شدّ الشعراء الرحال من الحجاز ونجد والعراق، ويقال إنه كان له ألف جفنة (قدر) تنصب كل يوم حول داره لإطعام
(١) انظر في ولاة مصر زمن الأمويين والعباسيين كتاب الولاة والقضاة للكندى (طبعة جيست) والجزء الأول والثانى من النجوم الزاهرة وتاريخ الطبرى وابن الأثير وابن خلدون وخطط المقريزى ١/ ٥٦١ وما بعدها وحسن المحاضرة ١/ ٥٧٨ ما بعدها.