للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتحدا فى طبيعة واحدة بينما كان الملكانية يرون أن للمسيح طبيعتين طبيعة لا هوتية روحية وطبيعة ناسوتية جسدية، وعارض المصريون المذهب الملكانى البيزنطى معارضة شديدة، ويعين هرقل قيرس (المقوقس) بطريقا للإسكندرية جامعا إلى سلطته الدينية السلطة الزمنية، ويأخذ فى حمل المصريين على مذهبه الملكانى فيقاومونه مقاومة حادة، ويعنف بهم وبرهبانهم ويثقل عليهم فى الضرائب. وبذلك يضيف إلى الغلّ الدينى غلاّ اقتصاديا.

وتقاوم مصر بكل ما استطاعت، إذ كانت تعدّ الدين مظهر استقلالها وحريتها وشخصيتها ولذلك اشتد سخطها على بيزنطة، وبينما هى فى هذا السخط الحاد إذا العرب بقيادة عمرو بن العاص يقبلون من الشرق عام ١٩ هـ‍/٦٤٠ م ويستمرون فى زحفهم حتى حصن بابليون (بالقرب من ممفيس القديمة) ويطول حصارهم له، فيغزو عمرو إقليم الفيوم ويشدد الحصار على حصن بابليون، ويضطر قيرس (المقوقس) إلى التسليم. ويتجه عمرو إلى الشمال الغربى ويستولى على الإسكندرية. ولم يكن يقاومه فى حصن بابليون والإسكندرية جميعا سوى الروم. وكأن المصريين وجدوا فيه وفى العرب مخلصا لهم، إذ سرعان ما عرفوا أن الإسلام يكفل لهم حريتهم الدينية ولا يمس كنائسهم ومعابدهم، ولذلك لم يقاوموا هؤلاء الفاتحين إذ وجدوهم يردون لهم استقلالهم الدينى.

ودائما الدين فى مصر يوضع فوق السياسة والحكم وفوق كل شئ. وما كان ليعقل أن يحمل المصريون السلاح ويدافعوا عن الروم الذين يعتدون على مذهبهم الدينى وحريتهم الدينيية، حتى لقد فرّ البطريق القبطى بنيامين وظل مختبئا حتى دخل العرب مصر وكفلوا للقبط معتقداتهم الدينية، ورفعوا عن كواهلهم ما أبهظها من ضرائب الروم الفادحة. فكان طبيعيا أن يتعاون قبط مصر مع العرب وأن ينفضوا أيديهم من الروم، ولذلك حين عاد أسطولهم إلى الإسكندرية واستولوا عليها لم يلقوا تأييدا منهم، وهزمهم العرب بقيادة عمرو بن العاص هزيمة ساحقة عام ٦٤٦ م/٢٥ هـ‍ ومن بقى منهم ولىّ فى البحر المتوسط إلى غير مآب. وبدأت من حينئذ مصر دورتها العربية الجديدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>