اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اِصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ يريد أنه فضله على النبى، والنبى أفضل منه، ودليل آخر ذكره من السنة وهو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمّر على جيش عمرو بن العاص فكان يقسم الفيئ (الغنائم) ويأمر وينهى فيطاع ويصلى بهم الصلوات. وتحت يديه فى الجيش أبو بكر وعمر وهما جميعا أفضل منه». وعلى هذا النحو كان سعيد بن الحداد يجيب أبا العباس المخطوم ويحاوره حوارا مخرسا بأدلة قرآنية وأحاديث نبوية، ويضيف إلى ذلك حججا منطقية دامغة مما يجعله من كبار المتكلمين المدافعين عن عقيدة السنة لا فى القيروان وحدها. بل فى العالم الإسلامى جميعه. وإذا كانت القيروان عرفت المذاهب المبكرة فى العراق للمعتزلة وغيرهم فإنها عرفت مذهب الأشعرى الذى أخذ فى الانتشار منذ القرن الرابع الهجرى حمله إليها أبو الحسن القابسى المذكوريين المحدثين، والمتوفى سنة ٤٠٣ ومعروف أن للأشعرى نظرات دقيقة فى التوسط بين القائلين بالجبر وأن حرية الإنسان معطلة وبين القائلين من المعتزلة بالاختيار وحرية الإنسان فى إرادته، وأيضا بين أهل السنة من مثل ابن حنبل القائلين بأن القرآن قديم والمعتزلة القائلين بأنه محدث مخلوق وقد أوضحنا مذهبه فى حديثنا عنه فى كتابنا:«العصر العباسى الثانى». ومن كبار الأشعريين القيروانيين محمد بن عتيق التميمى القيروانى أخذ علم الكلام بالقيروان عن أبى عبد الله بن الحسين بن حاتم صاحب أبى بكر بن الباقلانى (الأشعرى) ورحل إلى بغداد ودرس بها علم الكلام بالمدرسة النظامية، وقال السلفى كان مشارا إليه فى علم الكلام قال لى أنا أدرس علم الكلام منذ سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة توفى سنة ٥١٢ هـ/١١١٨ م. ولعل فى كل ما قدمت ما يدل-بوضوح-على أن علماء القيروان استوعبوا جميع المذاهب الكلامية الشرقية، وعمّ المذهب الأشعرى هناك منذ القرن الخامس الهجرى.
٥ - التاريخ (١)
منذ الحقب الأولى فى العهود الإسلامية يعنى أهل إفريقية التونسية بكتابة التاريخ، وأول
(١) راجع فى المؤرخين التالين طبقات أبى العرب ورياض النفوس للمالكى ومجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة فى سيرة المهدى لجعفر الحاجب ومقدمة سيرة الاستاذ جوذر المطبوعة بالقاهرة وكذلك مقدمة افتتاح الدعوة وطبقات الخشنى وقطعة الرقيق القيروانى من كتاب تاريخ إفريقيا والمغرب (طبع تونس) ومقدمة أنموذج الزمان لابن رشيق (طبع تونس) وابن خلدون ومعالم الإيمان لابن الدباغ وابن ناجى ورحلة التجانى والاحاطة للسان الدين بن الخطيب فى يحيى بن خلدون ومقدمة تاريخه والتعريف بابن خلدون بقلمه والأدلة البينة النورانية على مفاخر الدولة الحفصية =