١ - الامتزاج بالأمم الأجنبية وتعرّبها وأثر ذلك فى اللغة
اندفع العرب من جزيرتهم ينشرون الإسلام وتعاليمه السمحة فى أقطار الأرض، ففتحوا العراق وإيران وخراسان والشام ومصر وبلاد المغرب، وعبروا رقعة الماء الضيقة فى جبل طارق، وركزوا أعلامهم على مشارف البرانس كما ركزوها فى الهند. وكانت بعض قبائلهم تنتشر قبل الإسلام وفتوحه فى العراق والشام، فساعد ذلك على تعرّب هذين القطرين سريعا، وأخذت تتعرّب الأقطار الأخرى التى لم يكن لها عهد بالعروبة من قبل. ومن حينئذ لم يعد اللسان العربى خاصّا بأبناء الجزيرة وحدهم، فقد أخذ يشيع فى شعوب قريبة وبعيدة، وسرعان ما تعربت، وكان مما هيأ لتعرّبها نظام الولاء الذى أخذ به العرب أنفسهم فى فتوحهم الواسعة، فقد أدخلوا رقيق الحروب فى ولائهم، وفتحوا الأبواب واسعة أمام من وراءه من الشعوب المفتوحة كى يدخلوا فى هذا الولاء وينتسبوا فيمن يؤثرون من القبائل العربية.
وبمجرد أن تمّت الفتوح أخذ العرب والموالى جميعا يعيشون حياة مشتركة حتى فى المدن التى اختطها الفاتحون لمعسكراتهم مثل البصرة والكوفة والفسطاط، فإن العرب اختلطوا فيها وفى غيرها من المدن بالأجانب الذين قدّموا لهم خدماتهم فى الحرف؟ ؟ ؟ والتجارة، وغصّت بهم دورهم وقصورهم، إذ استخدموهم فى حاجاتهم من جهة وتزوجوا كثيرات من إمائهم من جهة ثانية، على نحو ما هو معروف عن اتخاذهم للسّرارى والجوارى. وظهر أثر ذلك فى أجيال التابعين منذ