فحاموا على دينكم والحريم ... محاماة من لا يرى الموت فقدا
فقد أينعت أرؤس المشركين ... فلا تعفلوها قطافا وحصدا
وله وراء هذه القصيدة مرثية لبطل استشهد فى حرب حملة الصليب سننشد منها قطعة فى الحديث عن شعراء الرثاء والشكوى أنشدها كالقصيدة السالفة عضب الدولة المتوفى-كما مرّ بنا- سنة ٥٠٢. ولا نجد له وراء هاتين القصيدتين شعرا حماسيّا ضد حملة الصليب مع أنه عاش حتى سنة ٥١٧ مما يجعلنا نظن ظنا أن شعراء الشام فى الربع الأول من القرن السادس على الأقل قصّروا فى استثارة الأمة ضد حملة الصليب حينئذ. وله فى هذه الفترة التى عاشها بعد عضب الدولة مدائح فى بعض الرؤساء والوزراء ورجال الشرطة الدمشقيين وغيرهم من الأعيان والقواد، وآخر قصيدة له نظمها فى مرضه الأخير يسترفد ابن القلانسى المؤرخ، وفيها يثنى على أدبه وكتابته بمثل قوله.
له فقر لو تجسّدن لم ... يفضّلن إلا بهنّ العقود
فيظلمن إن قيل نور نضير ... ويبخسن إن قيل درّ نضيد
ويبدو من شعره أنه كانت له مجالس مع بعض الأدباء يتنادمون فيها على الشراب ويسترسلون فى اللهو والطرب بسماع بعض المغنين، كما كانت له نزه كثيرة فى الغوطة وبساتينها، ويبدو أنه كان يولع بلعب النّرد مع بعض رفاقه، وله فيه قصيدة بديعة بديوانه، رواها العماد الأصبهانى فى خريدته. وواضح أن شاعرية ابن الخياط كانت شاعرية خصبة كما يتضح من طول قصائده ومن لغتها الجزلة الناصعة دون تكلف للغرابة أو ما يشبه الغرابة، ومع جمال الموسيقى والجرس الصوتى وأنغامه، ومع تصاويره المبتكرة الفذة.
ابن (١) القيسرانى
هو أبو عبد الله محمد بن نصر، من سلالة خالد بن الوليد البطل العظيم، ولد بعكا سنة ٤٧٨
(١) انظر فى ترجمة ابن القيسرانى وشعره الخريدة (قسم الشام) ١/ ٩٦ وابن القلانسى: ٣٢٢ ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزى (طبع حيدرآباد) ٨/ ٢١٣ ومعجم الأدباء ١٩/ ٦٤ وعبر الذهبى ٥/ ١٣٣ وابن خلكان ٤/ ٤٥٨ والنجوم الزاهرة ٥/ ٢١٣ والروضتين ١/ ٥١ فى حروب عماد الدين زنكى وابنه نور الدين محمود والشذرات ٤/ ١٥٠ وصدى الغزو الصليبى فى شعر ابن القيسرانى للدكتور محمود إبراهيم وتوجد مخطوطة من ديوانه-وهى مختارات منه- بدار الكتب المصرية.