المانع الجار لو شاء الزمان له ... منعا لضاق به ذرعا وإن رحبا
الباذل المال مسئولا ومبتدئا ... والصّائن المجد موروثا ومكتسبا
وظل فى طرابلس حتى سنة ٤٨٦ وفيها احترفت داره واحترق كل ما كان بها من أثاث، فحزن حزنا شديدا.
وعبث بابن الخياط الحنين إلى دمشق مسقط رأسه وموطن خلاّنه بها أيام الشباب، فعاد إليها وكان ملكها حينئذ تتش السلجوقى وقربه منه وزيره هبة الله بن بديع الأصبهانى، واصطحبه معه إلى «الرىّ» بفارس وهناك أنشده مدحة فيه، ورحل إلى خراسان، ولم يلبث أن عاد إلى دمشق سنة ٤٨٧ وامتدح أمير قبيلة بنى كلب حسان بن مسمار بقصيدتين، وفتح له أمير الجيش عضب الدولة آبق أبوابه فمدحه بقصيدة بائية ربما كانت أروع قصائده، وتوالت مدائحه فيه حتى توفى سنة ٥٠٢ ومن قوله فى البائية:
وما آبق إلا حيا متهلّل ... إذا جاد لم تقلع مواطر سحبه
ولم ير يوما راجيا غير سيفه ... ولم ير يوما خائفا غير ربّه
حبيت حياء فى سماح كأنه ... ربيع يزين النّور ناضر عشبه
والقصيدة رائعة حقا، نوه بها القدماء طويلا كما نوهوا بغزلها وسننشد منه قطعة فى حديثنا عن شعراء الغزل.
وكان الصليبيون قد استولوا على بيت المقدس سنة ٤٩٢ وأخذوا بعد ذلك عدة بلدان على الساحل الشامى فى السنوات التالية وكثرت الشكايات منهم، وواقعهم طغتكين صاحب دمشق على سواد طبريّة سنة ٤٩٩ وفى السنة التالية حاصر بلدوين صاحب القدس صيداء، وفى ديوان ابن الخياط قصيدة يحض فيها عصب الدولة أمير الجيش فى دمشق على منازلة الصليبيين، وفيها يقول مستنفرا الدمشقيين للجهاد:
لقد جاش من أرض إفرنجة ... جيوش كمثل جبال تردّى
؟ ؟ ؟ أتوما على مثل هدّ الصّفاة ... وهزلا وقد أصبح الأمر جدّا
وكم من فتاة بهم أصبحت ... تدقّ من الخوف نحرا وخدّا