وكان شاعر بلدته ابن حيّوس حين اضطربت الأحوال فى دمشق سنة ٤٦٤ تركها إلى حلب وعاش بها فى كنف بنى مرداس، فرأى أن يتبعه هناك، ولقيه ابن حيوس لقاء حسنا ومنحه ثيابا ودنانير مع تنويهه بشعره. وأوصاه أن يفد على بنى عمار أصحاب طرابلس لرعايتهم الشعر والشعراء، إذ سيجد عندهم مبتغاه. غير أنه عاد إلى حماة، وكان كلما ألم بها أمير من أمراء بلدان الشام مدحه على نحو ما يلاحظ من مدحه للأمير الحلبى وثاب بن محمود بن صالح وله يقول:
لقد لبست بك الدّنيا جمالا ... فلو كانت يدا كنت السّوارا
ويبدو أنه مرّ بحماة على بن مقلّد بن منقذ بعد استيلائه على حصن شيزر، فاتصل به الشاعر ومدحه ومدح معه أسرته وما اشتهروا به من بسالة وما أتاحوا لحصنهم الأشم من مناعة، وفى ذلك يقول:
هم غادروا بالعزّ حصباء أرضهم ... أعزّ منالا من نجوم الغياهب
ونرى ابن الخياط فى سنة ٤٧٦ يأخذ بنصيحة مواطنه الشاعر الكبير ابن حيّوس، فينزل طرابلس قاصدا بنى عمار ويستقبلونه استقبالا حافلا، وكان يحكمها حينئذ منهم جلال الملك أبو الحسن على بن محمد بن عمار (٤٦٤ - ٤٩٤ هـ) وله فيه مدائح رائعة، وربما كانت أولاها داليته، وفيها نحسّ فرحته بلقائه من مثل قوله:
كفى بندى جلال الملك غيثا ... إذا نزحت قرارة كلّ واد
فمن ذا مبلغ الأملاك عنا ... وسوّاس الحواضر والبوادى
بأنّا قد سكنّا ظلّ ملك ... مخوف البأس مرجوّ الأيادى
فما نخشى محاربة الليالى ... ولا نرجو مسالمة الأعادى
وهنئ بمقامه فى ظل بنى عمار بطرابلس، وصحب فيها طائفة من الأدباء كانوا يخرجون للمتنزهات وينعمون بمشاهدها الطبيعية البديعة. ومن حين إلى آخر كان يمدح جلال الملك فى المناسبات كمرور الأعياد. وله فى أخيه فخر الملك قصائد لا تقل روعة عن قصائده فيه، ومن قوله فى إحداها:
أأرتجى غير عمّار لنائبة ... إذن فلا آمنتنى كفّه النّوبا