هذا هو الجزء الخامس من تاريخ الأدب العربى، وهو خاص بالجزيرة العربية والعراق وإيران فى عصر الدول والإمارات الممتد من سنة ٣٣٤ للهجرة إلى العصر الحديث. وكان المؤرخون للأدب العربى يدخلون منه نحو ثلاثة قرون فى العصر العباسى الثانى منتهين به حتى سنة ٦٥٦ حين أغار قطعان التتار على بغداد وقوّضوا ما كان فيها من مدنية وحضارة. وكان هؤلاء المؤرخون يسمون الحقب التالية حتى الغزو العثمانى لمصر والشام والعراق باسم العصر المغولى. وسموا فترة حكم العثمانيين لتلك البلدان باسم العصر العثمانى. وكل ذلك تصور مخطئ، لأن سلطان الخلافة العباسية تتقلص ظلاله منذ سنة ٣٣٤ بحيث لا يكاد يبقى للخلفاء العباسيين منه فى كثير من الأمر سوى بغداد، فقد كانت إيران بيد بنى بويه ونفس العراق أظله سلطانهم، وكانت البحرين واليمامة بيد القرامطة، وكانت الموصل وحلب بيد الحمدانيين، ومصر والشام بيد الإخشيد، والمغرب وإفريقيا بيد الفاطميين، والأندلس بيد عبد الرحمن الناصر. وتعاقبت دول كثيرة فى اليمن وفى أنحاء الجزيرة العربية، وبالمثل فى كل البلدان والأقاليم المذكورة، بحيث يصبح من الخطأ أن تنسب القرون: الرابع والخامس والسادس حتى منتصف السابع إلى الخلافة العباسية، وحتى ما بقى لها من اعتراف بالولاء فى بعض الدول والإمارات إنما كان اعترافا اسميّا، لا يدل على أى سلطان وراءه. ومن الخطأ الإبقاء على تسمية القرون الثلاثة التالية لغزو التتار بغداد باسم العصر المغولى، بينما كان سلطان المغول فيها لا يتجاوز إيران والعراق دون بقية العالم العربى، وتلك البقية هى الشطر الأكبر منه: الجزيرة العربية والشام ومصر والمغرب والأندلس، لذلك رأينا أن ندمج العصر المغولى فى عصر الدول والإمارات، لأن هذه التسمية هى الألصق بالعصر، وهى أكثر دقة ومطابقة للواقع. وبالمثل أدمجنا فيه ما سمّى بالعصر العثمانى، لأنه لم يكن عصرا بالمعنى الحقيقى، وإنما كان حقبة ممتدة، تتمة لعصر الدول والإمارات، وثمرة مرة لما أصاب العرب فيه من انقسام وتفكك.