أشخاص وأشياء مظاهر له، وهو لذلك إن تحدث عن جميل أو سأل كائنا من الكائنات إنما يسأل الله ويتحدث عن جماله المشاهد فى كل جميل. وهو إذا سكر فسكره من خمر الحب الإلهى الذى يترنّم به ويشدو آناء الليل وأطراف النهار. وهو إذا تغزل فى صورة واستشعر وجدا إنما يستشعر الوجد الربانى. وإنه لينبثّ فى كل موجود وحدة متصلة بين الله ومخلوقاته. وهى نفس الأفكار التى تلقانا عند ابن عربى، ولذلك تكلم فيه أهل السنة، ورموه بأنه يؤمن بالاتحاد بين الله والموجودات. وعلى هذه الشاكلة قوله:
خلا منه طرفى وامتلا منه خاطرى ... فطرفى له شاك وقلبى شاكر
ولو أننى أنصفت لم تشك مقلتى ... بعادا ودارات الوجود مظاهر
فالله يمتزج بروحه ولا يراه، لذلك طرفه يشكو وقلبه يشكر، ويقول إنه كان جديرا بمقلته أن لا تشكو بعاد الحبيب لأن دارات الوجود جميعا من حوله مظاهره، فكيف لا تبصره وهو متحد بكل الكائنات مشاهد فى كل الأشياء. وكان للمتصوفة لأيامه ليال يحيونها بالدفوف والذكر وإنشاد الشعر عليه إلى السّحر، ويروى أنه حضر مع نجم الدين بن الحكم الحموى ليلة من تلك الليالى فغنى المغنى من شعره:
وما أنت غير الكون بل أنت عينه ... ويفهم هذا السرّ من هو ذائق
فقال ابن الحكم: كفر، فقال ابن سوار: لا، ما كفر، لكن أنت ما تفهم، وتشّوش المجلس. وفى البيت وفى بقية الشعر ما يدل على ابن سوار يريد أن يقول-على أساس ما يزعمه من فكرة وحدة الوجود-إن الله هو الكون أو الوجود بجميع ما فيه، والفكرة بأساسها-كما يرفضها ابن الحكم-يرفضها-كما ذكرنا ذلك أيضا-أهل السنة وأصحاب التصوف السنى.
عفيف (١) الدين التلمسانى
هو سليمان بن على بن عبد الله الكوفى التلمسانى، وتدل نسبته إلى تلمسان فى الجزائر على أنه مغربى الأصل، كما تدل نسبته إلى الكوفة على أن بعض آبائه نزل الكوفة واستوطنها فيما يبدو،
(١) انظر فى عفيف الدين وأشعاره وأخباره فوات الوفيات ١/ ٣٦٣ وراجع فيه ترجمة ابن الخيمى ٢/ ٤٦٣ وانظر البداية والنهاية لابن كثير ١٣/ ٣٢٦ والنجوم الزاهرة ٨/ ٢٩ والشذرات ٥/ ٤١٢ وديوان الحقائق ومجموع الرقائق لعبد الغنى النابلسى ص ٢٨٩، ٣٢٦. وديوان عفيف الدين طبع قديما بالقاهرة وبيروت.