ولا نعرف شيئا عن نشأته، ويبدو أنه نشأ بدمشق وأنه اختلف إلى حلقات علمائها يأخذ كل ما عندهم، ولعل ذلك ما جعله يؤلف فى كل علم كما يقول صاحب الوفيات. وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة، وعرف فضله وأدبه، ويقول مترجموه إنه خدم بعدة جهات يقصدون عدة مناصب، وأغلب الظن أنها جميعا كانت فى دمشق وفى دواوينها وخاصة فى بيت المال. وأخذ مبكرا يتصل بالمتصوفة ولزم صدر الدين القونوى أحد أتباع ابن عربى، ويبدو أنه اعتنق مذهبه فى وحدة الوجود على يده. ونزل معه فى العقد السادس من القرن السابع خانقاه سعيد السعداء بالقاهرة، ومكثا بها مدة، رزق فى أثنائها بابنه الشاب الظريف سنة ٦٦٦ وقد مرت ترجمته بين شعراء الغزل. ولقى فى القاهرة مع أستاذه صدر الدين القونوى ابن سبعين الأندلسى، وكان على شاكلة القونوى وابن عربى يؤمن بوحدة الوجود، فأكّدها فى نفس عفيف الدين. وعاد إلى دمشق، وتارة كان يعمل بها فى الدواوين، وتارة ثانية كان يفرغ للتصوف داعيا إلى طريقة ابن عربى، ومذهبه فى وحدة الوجود. وترك دمشق مدة إلى الأناضول، أو كما كانت تسمى حينئذ بلاد الروم، وعمل فيها أربعين خلوة صوفية، يخرج من واحدة ويدخل فى أخرى. ويقول مترجموه إنه كان حسن العشرة كريم الأخلاق له حرمة ووجاهة، ولعله لذلك لم يتعقبه الفقهاء، وظل موزعا بين عمله فى دواوين دمشق وعمله فى ميدان التصوف حتى توفى سنة ٦٩٠ للهجرة.
وكان تصوف عفيف الدين-كما ذكرنا آنفا-تصوفا فلسفيا على طريقة ابن عربى، مما جعله يعنى بشرح أعقد كتبه فى التصوف ونقصد كتابه:«فصوص الحكم» وفى مكتبة ولى الدين بإستانبول مخطوطة منه. وأشعاره الصوفية أشعار غزلية حسية على طريقة ابن عربى فى ديوانه «ترجمان الأشواق» من مثل قوله فى قصيدته التى نظمها على غرار قصيدة ابن الخيمى المذكورة آنفا فى ترجمة ابن سوار:
لولا الحمى وظباء بالحمى عرب ... ما كان فى البارق النّجدىّ لى أرب
وفى رياض بيوت الحىّ من إضم ... ورد جنىّ ومن أكمامه النّقب
لا تقدر الحجب أن تخفى محاسنه ... وإنما فى سناه الحجب تنحجب
يا سالما فى الهوى مما أكابده ... رفقا بأحشاء صبّ شفّه الوصب
هل السلامة إلا أن أموت بهم ... وجدا وإلا فبقياى هى العطب
وعفيف الدين يستشعر وجد المحبين إزاء محبوبه الربانى، ويتحدث عنه حديثا رمزيا، فلولا